Page 192 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 192
العـدد 24 190
ديسمبر ٢٠٢٠ الغايات التي توجه الكتاب .ولا
تخرج تلك الغايات عن الغايات
حتى انزلقا جمي ًعا إلى باحة على العبادة الموصلة إليها، الطبية أو الوعظية أو التنبيهية،
الحمام ،وصارا وسط الناس فيستفيد بشدة الرغبة فيها
تيسر المواظبة على ما يوصله وجميعها تعمل تحت مظلة
الذين انذهلوا من مشهد الدين الذي كان المهيمن والموجه
القاضي يقوم عن الغلام، لنعيم الجنان.
ويجر نفسه عار ًيا مفضو ًحا ويقابل ذلك البعد الأخروي، الأكبر للثقافة العربية.
والغاية الطبية تعمل على تنبيه
إلى الداخل. بعد دنيوي بحت ينسجم الإنسان إلى ما يجعله يحصل
لا حدود للخسارة التي تلحق كليًّا مع فكرة التحريم والمنع
على لذته من دون منغصات
بالرجل (والكتاب موجه القاطع لأي ضعف أمام جسدية .ولذا ترى أن مؤلف
إلى الرجل لا إلى المرأة وهي الشهوة ،ولأية ممارسة كتاب رجوع الشيخ إلى صباه
سمة معظم -إن ليس كل- جنسية خارج الإطار المشرع،
كتب الباه في ذلك العصر) فماذا يترتب على تغليب يصف للقارئ العلاجات
الشهوة؟ إنها الخسارة اللازمة لتقوية الشهوة
بسبب تغليبه الشهوة المعنوية ،أي أن يخسر الرجل وزيادتها والعناية بأعضائها،
والرغبة على العقل والتأمل، سمعته واحترام الناس له لتحصل على الشكل المناسب
ويصير مادة لكتب النوادر الذي يحقق الرضا لطرفيها.
فخسارة سمعته أشد من والأخبار يتداول الناس اسمه، ومؤلفو هذه الكتب –عمو ًما-
خسارة أمواله بحيلة من أو الخسارة المادية ،أي أن يعملون في سياق ديني وبمبرر
حيل القوادين أو البغايا، ديني ،فذلك الاستعداد للشهوة
الذين ينصبون له الشراك يخسر أمواله. وللمتعة والحصول عليها على
ويقدمون له النساء زاعمين وحتى الخسارة المعنوية هذه وجه الكمال يجعل المسلم أشد
أنهن من أزواج الخاصة، طم ًعا في الجنة ،فكما يقول
ويردن التخفف من ضغط فإنها لا تقف عند حد ،فقد الغزالي (ت 505هـ) في «آداب
القصور ،أو من زوجات تبدأ بخسارة السمعة ،وقد النكاح» ،هي منبهة على اللذات
أعدائهم ،الذين لا سبيل إلى تصل إلى إلصاق العار الأبدي الموعودة في الجنان ،فان هذه
كسرهم معنو ًّيا إلا بانتهاك بصاحبها ،فالقاضي الكبير اللذة الناقصة بسرعة الانصرام
نسائهم ،فيصدقون ويقعون المقدر المقرب من الوالي يصير تحرك الرغبة في الملذة الكاملة
في الفخ ويضطرون إلى دفع في فترة قصيرة ولسقطة بلذة الدوام ،فيستحث العبد
أموالهم اتقاء للفضيحة. واحدة ولسوء تقدير ،مثار
وأشد من الخسارتين تندر الناس وسخريتهم
المادية والمعنوية ،الخسارة وانتقاصهم ومادة للحكي،
الجسدية؛ فهذا فتى أمرد، فما إن يمر المؤلف
التيفاشي ،بالمدينة
يعشقه (لائط) ،فلا يجد حتى يتبرع أحدهم
منه ،كلما أراده ،إلا الرفض
ليحكي له قصة
والسب والشتم والتوعد القاضي الذي سقط
والتهدد ،ولا يجد سبي ًل إليه
إلا نقطة الضعف الإنسانية من عليائه؛ لأنه
عشق غلا ًما وواعده
الكبرى «الشهوة» ،التي
يضعف معها العقل والرأي، في حمام وا َّدهنا
فبالغا في الإدهان
ويختار للإيقاع به امرأة حتى اكتست أرضية
هي أخته ،بارعة الجمال. الحمام بالدهن ،وما
ويخبرها أنه يريد الغلام إن باشر القاضي
من غير حرام ،وأن غرضه رغبته مع الغلام
الاقتراب منه ،والاستمتاع