Page 193 - ميريت الثقافية العدد 24 ديسمبر 2020
P. 193
الملف الثقـافي 1 9 1
وسيلة للعلاج والإصلاح، من الأوصاف التي توضع بالنظر إليه .ثم إنها لبست
ولا يخرج مع اختلاف على لسان الإناث ،والغاية أفضل ثيابها ،وتعرضت
الوسيلة عما يسعى إليه التنفير من المخنث؛ فالرجل
الأدب عامة آنذاك وهو الذي يشتهي ما تشتهيه للغلام ،فتبعها ،وتح ّدث معها.
الإصلاح والتقويم ،ولا المرأة منتهك فعليًّا ،إذ ُيمارس وواعدته يو ًما معلو ًما في
عليه ،وبرغبته ،أقسى أنواع
يعمل أب ًدا بعي ًدا عن الثقافة الفعل الجسدي الذي يصل مكان .وأخبرت أخاها بذلك،
والتوجيه الإسلاميين. به إلى درجة التلف كما في فواعد خمسة عشر رج ًل من
ويقودنا هذا التصور بعض الأخبار ،ومنتهك لفظيًّا، أرذل ما يكون في المدينة من
الأخير لغاية الكتابة عن إذ يضع السارد على لسانه الرجال ،وأدخلهم الدار في اليوم
أشد العبارات تأنثًا وخلاعة الموعود .وأخته لا تشعر ثم
اللذة وطبيعتها ومهاويها، ومجو ًنا ،مما لا يضعها على خرجت من بيتها .وتعرضت
إلى الإجابة عن السؤال لسان أشد النساء عه ًرا. للغلام ،فتبعها حتى دخلت به،
الافتتاحي لهذه المقالة، ستكون عاقبة إغفال العقل وخرجت هي ،لما دخل البيت،
فرفض تلقي هذا النوع من والتدبر كبيرة تبدأ من كأنها تقضي شغ ًل .ودخل
الكتابة في عصرنا الحالي خسارة المال وتمر بخسارة أخوها ومعه الجماعة ففتكوا
السمعة ،وتصل إلى خسارة بالغلام جميعهم وهتكوه أقبح
يرجع إلى إنها غادرت الغاية دور الذكورة وقيمه الفعلية هتك ،واشتهر أمره في المدينة،
الدينية والوعظية إلى الغاية والكلامية .وفي هذه الحالة فلازمه عار لا ينفصل مدى
الأخيرة يصل القارئ إلى أعلى الدهر .وأي تخويف وتحذير
التأملية ،أي أنها كتابة درجات الصدمة التي يريد من الانسياق لإغواء الجسد
لذاتها ،تتوقف عند معنى منها المؤلف تحقيق رسالة الأنثوي ولإغراء الشهوة من
الجسد واللذة لذاتهما ،وترفع هذا ،فهو جامع الخسارات!
وعي القارئ بهما ،فيعود الكتاب ،وهي التحذير من
منهما أكثر احترا ًما لذاته الجسد ومن الإصغاء إلى إن أسوأ الخسارات هي
وتقدي ًرا لجسده ولحريته رغباته ،والعودة إلى العقل خسارة الرجل وضعه فاع ًل في
في التصرف فيه ،فهو ملكه الذي تنبهه دائ ًما التجارب
وحده .نجد ذلك عند علوية التي ترد في الأخبار ،فلسان العلاقة الجنسية وفي الثقافة،
صبح في روايتها «اسمه وتزحزحه إلى خانة الأنثى .ذلك
الغرام» .وعند سمر يزبك حال التيفاشي وغيره
في روايتها «رائحة القرفة» من مؤلفي هذا النوع من ما ينقله التيفاشي في كتابه
وغيرهما .وهذا الأمر يصعب الكتب أ ْن عليك أن تتذكر، ضمن باب المخنثين .وهو في
تقبله في ثقافة لم تغادر على أيها القارئ ،دائ ًما أنك لا نقل أخبارهم يمارس نو ًعا من
مستوى التلقي العام -لا على تقرأ هذا النوع من الكتب الجلد اللفظي على هذا النوع من
مستوى تلقي النخبة ضعيف والكتابة ،إلا لكي تنتبه فلا الرجال الذين مسختهم الشهوة
الأثر والحضور -التركيز تكون ضحية أخرى ُتضاف
على وظيفة السرد الدينية إلى الضحايا الذين يذكرهم فجعلتهم موضو ًعا للفعل
الأخلاقية ،أكثر من التركيز الكتاب .وبالنتيجة فأنت -أيها الجنسي المصا َحب بالأذى،
على ماهيته ،وفي ثقافة لم القارئ -لا تقرأ أدب جسد وجعلتهم ،كما يريد المؤلف من
تتخط بعد الموجهات الدينية ولذة وتقدير لهما واحتفاء ذكر قصصهم على لسانهم،
في السلوك والتفكير وتلقي بهما ،وإنما على العكس تقرأ عبرة للقارئ .يقول مث ًل على
أدب تحذير وتخويف وتنبيه، لسان راوي أحد الأخبار:
الفنون والأدب يتخذ الصراحة والكشف «تحركت له جوارحي واشتدت
بي الغلمة وابتدرتني الشهوة..
فأوثبته علي» .ويصف الممارسة
نفسها بألفاظ مثل :يحرقني،
ويؤلمني ،ويغيبه ف ّي ..وغيرها