Page 35 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 35

‫قتل الأب في أقصوصة لمياء‬
    ‫بوكيل مخالف تما ًما لقتل الأب‬
  ‫في أقصوصة اليد الكبيرة‪ ،‬فهنا‬
‫قتل مريح مزيح لمن أدخل الازعاج‬
  ‫والنكد‪ ،‬بينما هناك موت بحجم‬
‫الواقعة لأنه غ ّيب الجمال في أج ّل‬
‫معانيه‪ ،‬ولكن القارئ العميق لن‬
 ‫يتشفى من الدم النازف من قدم‬
   ‫«الشرير العابث» (الأب المنجي)‬

                                                           ‫لمياء بوكيل‬

  ‫تهت‪ ..‬بدت لي بلدتنا بلدة أخرى‪ ..‬وصلت‪ ،‬لم أجد‬                            ‫والبطولة‪ ،‬فهو لم يشعر بقزميته إلا‬
                                                                          ‫في حضرة والده العظيم‪ ،‬موت الأب‬
      ‫أح ًدا‪ ..‬كان الإسمنت لا يزال أخضر»‪ ،‬الحركة‬           ‫اليد الكبيرة موت مفعم بالرضا لأنه أعطى وو ّف ولم‬
 ‫الجسدية ت ّهون من اللوعة النفسية وزمن الانطلاق‬              ‫يستبق شيئًا‪ ،‬فهو إذن موت بحجم الخلود‪ .‬وموت‬
‫من البيت الخرب نحو المقبرة أذهب شيئًا من أحزان‬                  ‫الأب الشرير في أقصوصة «جركس»‪ ،‬هو موت‬
‫الراوي وهيّأه لقبول الحقيقة حين جعله يتوقع أم ًرا‬            ‫جسدي فحسب‪ ،‬لأن الأب الروح والرمز كان ميتًا‬
  ‫خطي ًرا‪« :‬كان صدري فار ًغا موح ًشا كئيبًا والدنيا‬           ‫من زمان‪ ،‬وحالة اليتم سابقة للحظة الموت‪ ،‬كانت‬
                                                           ‫الصبية تشعر بغربة وبفقدان الأب وهو حي يرزق‪،‬‬
      ‫من حولي لا تجذب انتباهي»‪ ،‬فإن لمياء بوكيل‬             ‫والموت وحده من حقق لحظة الالتقاء بينهما‪ ،‬لحظة‬
                                                              ‫موت «العضروط» هي لحظة حياة أي ًضا‪ .‬لأنه قد‬
     ‫ستصدم هاجر وبقية أفراد الأسرة وستصدم‬                     ‫يلقن ابنته بموته ما لم يلقنها إياه بحياته‪ ،‬فلحظة‬
                                                             ‫استفاقتها على مشهد الموت وأبوها يشد بمعصمها‬
      ‫القارئ‪ ،‬لأنها استفادت من تطور الأقصوصة‬               ‫وقد نزف دمه حتى شكل بركة‪ ،‬ستكون فاجعة تظل‬
                                                               ‫محفورة في ذاكرتها ووجدانها‪ ،‬ستكفر بالإدمان‬
‫العربية واستفادت من فارق التوقيت بينها ويوسف‬               ‫وتحاربه‪ ،‬ستجهد أن لا ترى من بنيها وبني جلدتها‬
                                                            ‫أح ًدا يشابه أباها في مصيره‪ ،‬إن الأب وقد استنجد‬
    ‫إدريس‪ ،‬فركزت على قوة النهاية والسقوط الحر‬                  ‫بالبنت كي يموت بالقرب منها لم يكن أحد يعلم‬
                                                             ‫أنه يستغيث ويستنجد أن‪« :‬خلّصوني من مخالب‬
‫فيها‪ ،‬وجعلت الأقصوصة لا تبوح بسرها وخاتمتها‬                 ‫الوحش الذي نخرت مخالبه كل شيء ف ّي»‪ ،‬كان يفر‬
                                                             ‫إلى الأسرة ويهرب وهو يعربد‪ ،‬كان يصرخ بأعلى‬
  ‫إلا للأسطر الأخيرة‪ ،‬هي إذن تجعل القارئ فاغ ًرا‬
    ‫فاه متسائ ًل تأخذه النهاية القوية الصادمة نحو‬                             ‫صوته المكتوم‪ :‬كيف الخلاص؟‬
                                                               ‫لئن هيّأ يوسف إدريس البطل لتقبل نبأ الفاجعة‬
                       ‫احتمالات وتأويلات شتى‪.‬‬
                                                                 ‫بوصف المكان‪« :‬كلبنا نائم على فروة الصلاة‪،‬‬
      ‫موت الأخيار لا يخلف الأسى‪ ،‬فقد أعطوا وما‬              ‫والحمام يهدل هدي ًل ممدو ًدا قبي ًحا»‪ ،‬ونقل السارد‬
                                                             ‫في الطريق المؤدية إلى المقبرة «رأيت نفسي أمشي‪،‬‬
‫استبقوا‪ ،‬وموت الأشرار لا يعقبه التشفي فقد تركوا‬

                      ‫با ًبا للإشفاق مشر ًعا و ُب َنيَّة‪.‬‬
   ‫اختلفت الأقصوصتان في البناء السردي فالتقتا‬

       ‫دون سابق إضمار في َط ْرق موضوع واقعي‬
‫اجتماعي مل ّح ألا وهو موضوع الأسرة ومنزلة الأب‬

              ‫فيها‪ .‬الأقصوصة واقعية أو لا تكون‬
   30   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40