Page 37 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 37

‫‪35‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

                                                    ‫وليد طلعت‬

    ‫مشهد العامية المصرية الجديدة‬
                          ‫مقاربة نقدية‬

    ‫يجول بنا الشعراء في عوالمهم الحميمة القريبة في حالة حلمية شبه‬
    ‫كابوسية تتنازعها مقاربات منطقية للواقع‪ ،‬واجترار كابوسي لوطأته‬

       ‫الثقيلة‪ ،‬وحالات تجريدية يتشيأ فيها الشاعر ويتماهى مع مفردات‬
     ‫حياته‪ ،‬فيكون جز ًءا من عالم (عقل) كلي واحد‪ ،‬حيث تدب الحياة في‬
      ‫الأشياء والموجودات‪ ،‬وحيث هي بهذه الحياة النابضة عرضة مثله‬

       ‫للانهيار والتحلل‪ ،‬عرضة مثله للفناء والموت‪ .‬تتماهى الموجودات‬
    ‫والطبيعة المشكلة لوجود الشاعر ووجدانه والمكونة لتفاصيل حياته‬

                                                              ‫اليومية‪.‬‬

   ‫واسع ضخم جمع ما جمع من مفردات ولهجات‬                         ‫لغة المصريين‬
‫ولغات‪ ،‬مع كل ما مر بمصر والمصريين من ثقافات‬
                                                      ‫اللغة كائن حي‪ ،‬ينمو ويتنفس ويتطور‪ ،‬وهي‬
   ‫ولغات استطاع المصريون ولغتهم أن يستوعبوا‬
   ‫ويلتقطوا دائ ًما ما يثري لغتهم الحية‪ ،‬ما أكسبها‬       ‫لتفعل ذلك يلزمها أن تفتح فاها واس ًعا لتلتقط‬
   ‫المرونة والرشاقة والجزالة والخفة في آن‪ ،‬لتحمل‬        ‫من حولها كل ما يمكن أن تلتقطه من مفردات‪،‬‬
‫كل ما استطاعت حمله من فنون البلاغة‪ ،‬يستخدمها‬         ‫تعمل فيها أسنانها‪ ،‬ومن ثم تتعامل معها محاولة‬
   ‫أصحابها في غير صعوب ٍة‪ ،‬ودونما تكلُّ ٍف ليعبروا‬  ‫هضم ما يمكنها هضمه منها لتبقيه‪ ،‬فيصبح جز ًءا‬
‫عن أنفسهم بلغتهم محكية ومكتوبة‪ ،‬لتسهم إسها ًما‬           ‫لا يتجزأ منها‪ ،‬وتتطور به ومعه‪ ،‬أما تلك التي‬
  ‫كبي ًرا ومؤث ًرا في صناعة وجدانهم‪ ،‬والتعبير عنهم‬   ‫تستعصي على الهضم والاحتواء مما لا ينفع‪ ،‬فلا‬
    ‫وكتابة تاريخهم‪ .‬إسها ٌم يرتبط بالحياة اليومية‬   ‫مكان‪ ،‬له تتخلص منه كما يتخلص الكائن الحي من‬

       ‫وقدرة المصريين على عبور أوجاعهم بالنكتة‬                              ‫فضلاته ليستريح‪ ،‬وإلا‪..‬‬
       ‫والسخرية من الواقع والذات‪ ،‬بالغناء المتألم‬       ‫والعامية المصرية أتت للوجود ونمت وتطورت‬
       ‫والمواويل المحزونة ليسجلوا بذلك حاضرهم‬       ‫وهضمت من اللغات والمفردات ما جعل لها وجو ًدا‬
   ‫ويتفاعلوا معه‪« .‬العامية المصرية ممتعة لسامعها‬
     ‫ومانحة بسخاء للمتكلم بها‪ ،‬ألفاظها وإيقاعاتها‬          ‫خا ًّصا مائ ًزا ومتفر ًدا‪ ،‬ورغم سيادة العربية‬
      ‫خارجة من رحم تجربة ثرية لمزيج حضاري‪،‬‬              ‫ومفرداتها على لغة المصريين أصحاب البدايات‬
‫صيادين على فلاحين على بدو على حرفيين‪ ..‬طوائف‬           ‫في الكتابة والحروف‪ ،‬فإنهم أبوا إلا أن تظل لهم‬
                                                      ‫لغتهم المحكية الشفاهية المتفردة‪ ،‬تشكلت من إنا ٍء‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42