Page 45 - ميريت الثقافية- العدد 23 نوفمبر 2020
P. 45

‫‪43‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫فرضياته‪ ،‬فوقف في بعض الأعمال الأدبية على ما‬           ‫ما امتد ليشمل تقريبًا كل الدواوين والمجموعات‬
‫يؤكد دور اللاوعي في إنتاج الأعمال الأدبية‪ ،‬وكانت‬        ‫الشعرية التي نقرأها م ًعا خلال صفحتنا القادمة‬
‫فرضياته عن الحلم كمدخل ملكي للاوعي والتداعي‬               ‫لشعراء مصر‪ ،‬عبر خريطتها الزمانية والمكانية‬
                                                      ‫المترامية‪ ،‬والذي يبرز بقوة في نصوص سعيد عبد‬
  ‫الحر كتقنية للولوج في ذلك العالم الداخلي الغائم‪،‬‬
     ‫وجاء تيار الوعي في الإبداع الأدبي خصو ًصا‬                       ‫المقصود ومجدي عطيه وغيرهما‪.‬‬

‫السردي والروايات منه ليتبادل الاستفادة من هذه‬          ‫اللجوء للحلم (الكابوس) ودلالاته‬
    ‫الفرضيات للولوج لعوالم الشخصيات الباطنية‬                   ‫النفسية والمعرفية‬
                     ‫والتسلل لاستقراء دواخلها‪.‬‬
                                                          ‫يجول بنا الشعراء في عوالمهم الحميمة القريبة‬
   ‫السرد الشعري والحكي كوسيلة لمواجهة الحياة‬            ‫في حالة حلمية شبه كابوسية تتنازعها مقاربات‬
       ‫يحاول الشاعر معنا أن يتقوى بحكاياته وأن‬         ‫منطقية للواقع‪ ،‬واجترار كابوسي لوطأته الثقيلة‪،‬‬
                                                      ‫وحالات تجريدية يتشيأ فيها الشاعر ويتماهى مع‬
‫ينصف ذاته بمواجهتها‪ ،‬وهو يبدأ معنا هذه المحاولة‬         ‫مفردات حياته‪ ،‬فيكون جز ًءا من عالم (عقل) كلي‬
 ‫ساخ ًرا من كب ٍت دام ومن تواط ٍؤ متوقع له مع ذاته‬      ‫واحد‪ ،‬حيث تدب الحياة في الأشياء والموجودات‪،‬‬
‫أو مع من شاركوه تاريخا ُي َتصور أنه قد ذهب ولا‬
                                                            ‫وحيث هي بهذه الحياة النابضة عرضة مثله‬
   ‫أمل في استرجاعه حفا ًظا على هذه الذات وهؤلاء‬            ‫للانهيار والتحلل‪ ،‬عرضة مثله للفناء والموت‪.‬‬
     ‫الآخرين‪ ،‬رغم ما قد يشكله تعرية هذا التاريخ‬             ‫تتماهى الموجودات والطبيعة المشكلة لوجود‬
      ‫المشترك والحديث عنه من ه ٍز لثوابت وزلزل ٍة‬     ‫الشاعر ووجدانه والمكونة لتفاصيل حياته اليومية‪،‬‬
                                                         ‫وهو ما يتعاظم ويتضاخم عند ياسين عبده في‬
   ‫لأركان وقواعد «باتع ِّكز على حكاياتي وحكاياتي‬      ‫ديوانه «العبث» ليبرز واض ًحا لنا هذا التواصل مع‬
  ‫بتو َّقع بيني وبين نفسي» مصطفى جوهر «عادي‬             ‫الموجودات‪ .‬نرى الكثير من النماذج التي تمارس‬
‫جدا»(‪ .)20‬وخلال هذه الرحلة في إعادة قراءة تاريخه‬     ‫فيها هذه (الشيأنة) للأشخاص إن جاز التعبير‪ ،‬كما‬
‫الشخصي لا ينسى الشاعر أن يطرح لنا بعين وعيه‬             ‫نرى نماذج أخرى لـ(شخصنة) مفتوحة الدلالة‬
                                                       ‫للأشياء‪ ،‬حيث رموز منتقاة وعلامات دالة تخرج‬
    ‫نماذج إنسانية تحيط به وتؤثر في رؤيته للحياة‬           ‫عن معانيها وقيمها الحقيقية لتتحول مع تنقل‬
‫والوجود‪ ،‬ربما لفرط هامشيتها وضعفها وبساطتها‬
                                                               ‫الشاعر بينها إلى دلالات شائهة ومدمرة‪.‬‬
                             ‫وهشاشة وجودها‪.‬‬                ‫فالعلم مثلا بما يحمله من قيمة وخصوصية‬
                                                       ‫نراه‪ ‬في القصيدة المفتاح (الموت) لياسين عبده من‬
  ‫الإهداء كمدخل وعتبة هامة لدخول‬                      ‫ديوانه (العبث) «بيقلع بنطلونه ويقعد جنب حيطه‬
                ‫النص‬                                     ‫يقضي حاجته»‪ .‬ولا يكتفي الشاعر بهذا الرصد‬
                                                         ‫للعلم– الرمز– المشخصن‪ -‬وهو يقضي الحاجة‪،‬‬
 ‫اختلفت درجة اهتمام كثير من الشعراء به وأصبح‬              ‫وإنما يشكل علاقة دالة به شخصيًّا وبوجوده‬
‫في كثير من الأعمال توطئة ومدخ ًل لعوالم شعرائنا‪،‬‬      ‫وقصائده ودموع أمه التي تهون مع هوانه‪« :‬وبعد‬
                                                        ‫ما يخلص يمد إيده ياخد قصايدي ودموع أمي‪/‬‬
      ‫لكنه وبوضوح يعد ملم ًحا رئي ًسا في جل هذه‬        ‫يمسح بيهم ويقوم ماشي»(‪ .)19‬وكما نعلم أن هذا‬
    ‫الدواوين‪ ،‬حتى يدهشنا مجدي عطية في ديوانه‬              ‫الاتجاه للقراءة النفسية للشعر وللأدب والفن‬
   ‫«كان هنا» بـ»بلا إهداء»‪ .‬وحتى هذا (اللا إهداء)‬        ‫عمو ًما قد بدأت مع بدايات التحليل النفسي‪ ،‬بل‬
    ‫حمل الكثير من الدلالات‪ ،‬ومثّل توطئة ومدخ ًل‬           ‫وقد اتخذ من الأدب وسيلة ليبرهن على صحة‬

       ‫لنصوص ديوانه الذي شكل فيما أري قطعة‬
 ‫موزاييك إضافية‪ ،‬يضيفها الشاعر للوحته الشعرية‬

    ‫الممتدة التي تعتني بالمشهدية الحياتية وتنتصر‬
   ‫للهامش المأزوم وتمارس انتقا ًدا لاذ ًعا للنفس في‬
 ‫علاقاتها بالوجود والآخر‪ .‬أما يحيى قدري «كهربا‬
   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50