Page 194 - m
P. 194

‫العـدد ‪56‬‬                            ‫‪192‬‬

                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                         ‫مالكم؟! كيف تحكمون؟!”‬
                                                                     ‫وهذا يدل على أن المسلمين‬
  ‫لها وأبرزوا معاني مختلفة‬              ‫النص حر ًصا منهم على‬
   ‫ج ًّدا عن ما عليه استخدام‬           ‫الموضوعية والحيادية في‬          ‫الطيبين الأخيار مسالمين‬
‫القرآن لها واعتمدها أصحاب‬               ‫دراسة النص بعي ًدا عن‬       ‫والنقيض لهم هم المجرمون‬
‫المعاجم مباشر ًة بدون تحقيق‬             ‫تلك التصورات الأخرى‬          ‫الأشرار الظالمون المعتدون‬
   ‫ولا تدقيق لقولهم «الشعر‬           ‫الخارجة عنه والخروج من‬        ‫على حقوق الإنسان وحرياته‪،‬‬
                                       ‫أزمة ومعضلة التراث في‬
      ‫ديوان العرب» فجعلوه‬            ‫التناقض مع العقل والمنطق‬          ‫وتلك هي نظرتهم للآخر‬
  ‫ظل ًما وزو ًرا (ديوا ًنا لمعاني‬                                  ‫والذي هو بالأحرى مضموم‬
   ‫القرآن) بل انتحلوا أسماء‬                        ‫والإنسانية!‬     ‫لمعسكرهم الإنساني طالما هو‬
  ‫لشعراء لم يكن لهم وجود‬            ‫أما بخصوص اللغة العربية‬
  ‫تاريخي واقعي كي يمرروا‬                                                     ‫مسالم في سلوكه!‬
                                       ‫فهم رأوا أن اللغة ق َّعدت‬      ‫ويعتمد القرآنيون اعتما ًدا‬
     ‫مخططهم في التأثيرعلى‬           ‫قواعدها وكتبت معاجمها في‬        ‫كليًّا على القرآن كنص حكمة‬
     ‫معانيه بعدما استعصى‬                                           ‫قديم قدم الأزل موحد وليس‬
  ‫عليهم تغيير وتبديل النص‬             ‫عصور لاحقة بعد القرآن‬          ‫مفرق أزلي وأبدي في نفس‬
‫ذاته بحروفه وكلماته لحفظه‬               ‫بعدة قرون فتم اختيار‬           ‫ذات الوقت خارج الزمان‬
    ‫في الصدور وانتشاره في‬               ‫معاني لألفاظ في القرآن‬     ‫والمكان ومحيط بالأكوان لأنه‬
   ‫الأمصار بطريقة شفاهية‬                ‫بصورة انتقائية وإبراز‬      ‫من كلام الحق المتصف بتلك‬
   ‫متواترة مما استحال معه‬                                          ‫الصفات‪ ،‬مصدا ًقا لقول الحق‬
  ‫تغيير كلمة أو حرف واحد‬             ‫دلالات معينة من واضعي‬          ‫“الرحمن‪ ،‬علم القرآن‪ ،‬خلق‬
 ‫منه فعمدوا لتحريف معانيه‬                 ‫تلك المعاجم لعصرهم‬
     ‫ودلالاته بد ًل من تغيير‬                                            ‫الإنسان‪ ،‬علمه البيان”‪.‬‬
                                    ‫وبيئتهم وثقافتهم والمغايرة‬           ‫إذن فهم يرون أن الله‬
                ‫النص ذاته!‬         ‫لعصر التنزيل الحكيم للنأثير‬     ‫وضع منهجه الحكيم قبل أو‬
     ‫ولذلك اعتمد القرآنيون‬                                           ‫بالتوازي مع خلق الإنسان‬
  ‫على تتبع الجذر الثلاثي بل‬           ‫على قارئ النص القرآني‪،‬‬         ‫ومع نفخة الروح فيه وهي‬
    ‫والثنائي لكلمات القرءان‬          ‫ومن ناحية أخرى غفلوا أو‬         ‫فطرة الله التي فطر الناس‬
   ‫في النص كله للتعرف على‬            ‫تناسو أن اللغة يطرأ عليها‬      ‫عليها‪ ،‬فهم بذلك يميلون إلى‬
  ‫طريقة القرآن في استخدام‬          ‫التغيير في الأساليب والمعاني‬        ‫القول بقدم القرآن كنص‬
                                                                    ‫كامل موحد ُين َظر له كوحدة‬
         ‫أصل وجذر المفردة‬               ‫والدلالات بمرور مئات‬       ‫واحدة وليس متفر ًقا كما هو‬
     ‫ومشتقاتها وتصاريفها‬            ‫السنين عليها كما يحدث في‬       ‫شائع‪ ،‬فهم لا ُيخ ِضعون هذا‬
‫لاكتشاف المشترك الدلالي لها‬          ‫تاريخ جميع اللغات العالمية‬      ‫النص للروايات والأحاديث‬
‫بحيث يكون لها مركز وبؤرة‬                                               ‫والأخبار وعلوم السيرة‬
‫معنى‪ ،‬يمشي ويرحل وينتقل‬                ‫وأقرته علوم اللسانيات‪،‬‬           ‫وأسباب النزول والمكي‬
‫معها داخل مختلف السياقات‬             ‫ومما ساهم أي ًضا في تبديل‬       ‫والمدني والناسخ والمنسوخ‬
 ‫في السور والآيات مع زيادة‬                                           ‫والمتشابه والمحكم والمجمل‬
   ‫معاني أخرى ُتضاف إليه‬                 ‫وتحريف معاني بعض‬            ‫والمفصل والقراءات العشر‬
   ‫و ُتح َّمل عليه ولا تتعارض‬       ‫الألفاظ أنهم انتحلوا أشعا ًرا‬     ‫والتاريخ والشعر الجاهلي‬
  ‫مع المشترك الدلالي الأصلي‬                                              ‫والفقه وكل النصوص‬
   ‫للمفردة القرآنية فخرجوا‬            ‫في عصور لاحقة وزعموا‬            ‫البشرية التي تحوم حول‬
      ‫بنتائج تختلف اختلا ًفا‬       ‫أنها جاءت قبل نزول القرآن‬
                                    ‫كما ذكر ذلك الأديب والمفكر‬
       ‫جزئيًّا وكليًّا في بعض‬
                                       ‫الكبير طه حسين ذلك في‬
                                      ‫كتابه (في الشعر الجاهلي)‬
                                   ‫كي يدسوا فيها ألفا ًظا معينة‬
                                      ‫من داخل السياق القرآني‬

                                          ‫وإستخدموها بطريقة‬
                                       ‫مغايرة لاستخدام القرآن‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199