Page 198 - m
P. 198

‫العـدد ‪56‬‬                         ‫‪196‬‬

                                                                                     ‫أغسطس ‪٢٠٢3‬‬                       ‫عصام‬
                                                                                                                    ‫الشريف‬
    ‫يستحق بعدها أن يكون‬                                                                     ‫مقدمة‬                           ‫«أبو قاسم حاج حمد» ‪..‬‬
    ‫خليفة‪ .‬وللتعبير عن هذا‬                                                                                                      ‫وجدلية الإنسان والغيب والطبيعة‬
‫استد َّل أبو القاسم “بخطاب‬                                                            ‫ينطلق محمد أبو القاسم‬
   ‫الله للملائكة الأبرار حين‬
                                                                                      ‫حاج حمد (‪)2004 -1940‬‬
       ‫استفسروا عن قدرة‬                                                                ‫من نقطة الأزمة التي يراها‬
    ‫البشر على القيام بمه َّمة‬                                                          ‫من وجهة نظره في العلاقة‬
‫الاستخلاف في الأرض‪ ،‬فر َّد‬
   ‫الله تعالى إلى ذاته المنزهة‬                                                          ‫بين مطلق الغيب وجبرية‬
 ‫ِعلم ما سيأتي‪ ،‬ويتضح في‬                                                             ‫قوانين الطبيعة‪ ،‬وانعكاسهما‬
 ‫غي ٍب آخذ بالتش ُّكل يتك َّشف‬
  ‫عن ميلاد الخليفة الذي لا‬                                                                 ‫على الوجود الإنساني‪.‬‬
 ‫يفسد في الأرض ولا يسفك‬                                                              ‫ولفهم ما يطرحه من فرضية‬

                 ‫الدماء”‪.‬‬                                                              ‫كان لزاما البحث في معجم‬
    ‫أي‪( :‬الغيب المتشيئ) في‬                                                            ‫مصطلحاته التي استخدمها‬
     ‫تعبير الحاج حمد‪ ،‬وفي‬                                                               ‫في تناول معظم ما طرحه‪.‬‬
‫تأكيده على هذا المعنى يقول‪:‬‬                                                           ‫‪ -1‬الغيب‪ :‬يقسم حاج حمد‬
  ‫“إذن نح ِّدد هنا مصطلحنا‬
  ‫للغيب الذي نعنيه بوصفه‬                                                                 ‫الغيب لقسمين قسم يقع‬
   ‫الغيب الكامن في منهجية‬                                                              ‫في علم الله المطلق‪ .‬وهذا لا‬
     ‫الخلق المتشيِّئة‪ ،‬وليس‬                                                           ‫نعرفه ولا نستطيع الوصول‬
    ‫المطلق‪ ،‬وهذا هو أساس‬                                                                ‫إليه‪ ،‬ويستشهد بذلك بآية‬
   ‫الخطاب الإلهي للملائكة‪:‬‬                                                           ‫سورة الانعام “وعنده مفاتح‬
  ‫“ َقا َل َأ َ ْل َأ ُق ْل َل ُك ْم إِ ِّني َأ ْع َل ُم‬
  ‫ََوغ َأْي ْعَ َلب ُمال َم َّاس َمُتاْب َ ُوداو ِتَن َوَوا َْمَلا ْر ُك ْنِ ُتض ْم‬       ‫الغيب لا يعلمها إلا هو”‬
    ‫َت ْك ُت ُمو َن” (البقرة‪.)33 :‬‬                                                   ‫(الأنعام‪ .)69 :‬والقسم الثاني‬
‫فالملائكة كانت تعلم ما تبديه‬
  ‫وما تكتمه ولكنها لم تعلم‬                                                                ‫هو‪ :‬علم ما هو متشيئ‪.‬‬
   ‫ما ينطوي عليه الغيب في‬                                                             ‫وهو العلم الصادر عن العلم‬
 ‫الصيرورة الإرادية للخلق‪،‬‬
 ‫فكشف الله ‪-‬سبحانه‪ -‬لها‬                                                                ‫المطلق‪ .‬وهو عالمنا الكوني‪.‬‬
    ‫من ذلك حين أظهر آدم‬                                                                ‫وهو مجال الفكر الإنساني‬
‫بخلافته وبالأسماء وتشريع‬
 ‫الزوجية‪ .‬حين يطلق جدلية‬                                                                        ‫ومتناول قدراته‪.‬‬
  ‫الغيب والإنسان والطبيعة‬                                                                  ‫والغيب المتشيئ‪ ،‬وهو‬
   ‫فالمصطلح يتح َّدد بالغيب‬                                                           ‫استحواذ منهجية الخلق على‬
  ‫المتشيِّئ من عالم الأمر إلى‬                                                            ‫منهجية التشيؤ الوظيفي‬
 ‫عالم الواقع‪ ،‬ضمن منهجية‬                                                                  ‫والتح ُّكم في صيرورتها‬
 ‫الخلق وغاياتها المستحوذة‬                                                              ‫الجدلية باتجاه غاية تتطور‬
                                                                                          ‫نحوها‪ .‬وهنا ف َّرق حاج‬
                                                                                           ‫حمد بين الجعل وبين‬
                                                                                            ‫الخلق‪ .‬فـ”إني جاعل‬
                                                                                           ‫في الأرض خليفة” هي‬
                                                                                         ‫صيرورة الإنسان وليس‬
                                                                                         ‫خلقه صيرورة الإنسان‪.‬‬
                                                                                        ‫لأن يتطور بعد خلقه عبر‬
                                                                                          ‫أطوار ومراحل إنسانية‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203