Page 252 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 252

‫العـدد ‪١٩‬‬                                ‫‪252‬‬

                                          ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬

          ‫مما حدث على مستوى‬                ‫بني مجد مث ًل‪ .‬هكذا كنت ناصر ًّيا في‬         ‫لكي تأتي معي واستكمل نومي‪.‬‬
        ‫العمل السياسي أن وجد عبد‬              ‫سنوات الهزيمة‪ .‬توقفت ناصريتي‬          ‫حزنت أمي وعرف المرض طريقه‬
                                                                                   ‫إليها بعد أن غادرتها لأقيم في القاهرة‪.‬‬
          ‫الناصر الأمل في الشباب‪.‬‬           ‫بعد وفاة عبد الناصر ودخولي معهد‬
           ‫أنشأ لهم منظمة قبل عام‬              ‫الإعلام الذي أصبح كلية بجامعة‬            ‫استسلمت أمي لرغبتي وتركتني‬
            ‫من هزيمة يونيو كتنظيم‬                                                      ‫أسافر بعد أن أمدتني بالمال الذي‬
                                           ‫القاهرة‪ .‬هناك تعرفت على الماركسية‬        ‫توفر لها من بيع الأثاث‪ .‬أخذت قطار‬
             ‫سياسي مستقل ومواز‬                 ‫وصاحبت ماركسيين وانضممت‬               ‫الساعة ‪ 11‬مسا ًء لأصبح في القاهرة‬
        ‫للاتحاد الاشتراكي‪ .‬اهتم في‬                                                   ‫وأذهب عند عمتي أم مهران في حي‬
       ‫هذه المنظمة بالتثقيف والعمل‬           ‫للجماعة الماركسية في الكلية وكان‬       ‫الجيارة في مصر القديمة أقيم عندها‬
                                                ‫اسمها غريبا‪« :‬جماعة مناهضة‬
          ‫السياسي‪ .‬أنشأ لها معه ًدا‬             ‫الاستعمار»‪ .‬كان يرأسها زميلي‬                          ‫حتى أجد سكنًا‪.‬‬
      ‫خا ًّصا لهذا الغرض في حلوان‪.‬‬                                                     ‫سنوات إعداد الدولة للحرب لم‬
  ‫اختاروا للانضمام إليها شبا ًبا واع ًدا‬       ‫على إبراهيم الذي التحق بجريدة‬
   ‫بالفعل من جميع أنحاء الجمهورية‬          ‫الجمهورية بعد تخرجنا على ما أذكر‪،‬‬             ‫تنته بدخولي الجامعة‪ .‬استمرت‬
      ‫وعلى كل المستويات من القرية‬         ‫وكان من زعمائها زميلي الآخر سامي‬           ‫أحوال أبي المالية سيئة‪ .‬كان بالكاد‬
‫والحي إلى المدينة والمحافظة‪ ،‬ثم على‬        ‫البلعوطي الذي عمل في جريدة العالم‬           ‫يرسل لي حوالات بريدية متقطعة‬
   ‫مستوى الجمهورية‪ .‬كنت أنا واح ًدا‬       ‫اليوم وسافر للعمل في صحف الخليج‬          ‫بخمسة جنيهات الحوالة‪ .‬لم تكن تكفي‬
                                                                                    ‫نفقاتي‪ .‬فاضطررت للعمل وأنا طالب‬
                   ‫ممن اختاروهم‪.‬‬             ‫لسنوات وعاد‪ .‬كنا ثلاثة كل منا له‬         ‫في الجامعة‪ .‬مارست خلالها أعما ًل‬
  ‫لم يقتصر دور هذه المنظمة على‬                ‫شخصية مختلفة تماما عن الآخر‪.‬‬          ‫محترمة وأخرى شديدة التواضع‪ .‬لها‬
  ‫الفكر والعمل السياسي‪ .‬قامت بدور‬            ‫ماذا فعلت سنوات الهزيمة فينا؟‬
 ‫مهم في المؤسسات والحياة الثقافية‬           ‫كان من المفترض أو من الطبيعي‬                                 ‫قصة أخرى‪.‬‬
                                           ‫أن ينهار النظام الناصري بعد هزيمة‬             ‫كنت وأنا تلميذ في الإعدادية‬
    ‫والإعلامية‪ .‬منها تنظيم أول وآخر‬         ‫‪ 1967‬وأن تنهار معه كل مؤسساته‬           ‫والثانوية أشترك في معسكرات عمل‬
 ‫مؤتمر للأدباء الشباب في مصر‪ .‬أهم‬            ‫وأن يعاد بناء دولة جديدة لكن هذا‬           ‫صيفية في مكان نسميه الساحة‬
                                              ‫لم يحدث‪ ..‬تمسك الشعب بزعيمه‬          ‫الشعبية‪ .‬كنا في هذه المعسكرات نقوم‬
   ‫مؤتمر أدبي حدث‪ .‬انعقد في مدينة‬            ‫كما يتمسك الطفل بملابس أبيه في‬        ‫بردم برك ومستنقعات‪ ،‬وتمهيد طرق‪.‬‬
  ‫الزقازيق عام ‪ ،1969‬بعد عامين من‬           ‫الزحام‪ .‬خاف الشعب أن يضيع على‬            ‫لذلك أفتخر دائ ًما بأنني حملت تراب‬
                                          ‫الرغم من أن زعيمه قد أضاعه بالفعل‪.‬‬        ‫من هذا الوطن على كتفي وأنا صبي‪.‬‬
     ‫الهزيمة‪ .‬ضم خمسة ممثلين من‬           ‫هذه حالة نادرة بين الشعوب احتاجت‬         ‫عندما كنت في ثالثة ثانوي في مدرسة‬
 ‫الأدباء الشباب عن كل محافظة‪ .‬كنت‬          ‫إلى دراسات علمية سياسية اجتماعية‬           ‫مصطفى لطفي المنفلوطي اختارني‬
‫أنا أي ًضا واح ًدا من أعضاء هذا المؤتمر‬      ‫تاريخية‪ .‬لم يتمسك الشعب بزعيمه‬         ‫أمين منظمة الشباب الناصري لأنضم‬
 ‫من ممثلي محافظة أسيوط‪ .‬ذلك أنني‬          ‫خو ًفا من بطشه كما يحدث في الأنظمة‬        ‫إليها‪ .‬تفوقت فيها حتى ُعينت مسئو ًل‬
                                          ‫الاستبدادية في العالم‪ ،‬ولم يخ ُل النظام‬    ‫للتثقيف في مكتب المنظمة في مركز‬
   ‫كنت أكتب شع ًرا استمر معي حتى‬           ‫الناصري من استبداد‪ .‬تمسك الشعب‬             ‫منفلوط وأنا طالب في السنة الثالثة‬
 ‫دخلت وزارة الثقافة فخرج‪ .‬شع ًرا لن‬       ‫بعبد الناصر تمس ًكا عاطفيًّا‪ .‬لم يتمسك‬     ‫الثانوية‪ .‬كنت أصغر مسئول تثقيف‬
                                            ‫الشعب بنظام عبد الناصر السياسي‬         ‫على مستوى مصر‪ .‬كان أمين المنظمة‬
                           ‫أنشره‪.‬‬             ‫الذي بلوره في الاتحاد الاشتراكي‬         ‫يرسل خطابات لناظر المدرسة من‬
‫كنت أي ًضا أصغر عضو في المؤتمر‬            ‫العربي‪ ،‬ولا ببقايا أعضاء مجلس قيادة‬      ‫حين لآخر يطلب منه السماح للطالب‪/‬‬
                                           ‫الثورة الذين استمروا معه بعد هزيمة‬      ‫سمير غريب بالتغيب عن المدرسة يوم‬
 ‫فلم أكن قد غادرت سنة ثالثة ثانوي‪.‬‬          ‫يونيو‪ .‬تمسك الشعب بالزعيم وحده‬          ‫كذا لإعطاء محاضرة تثقيفية أو دورة‬
    ‫كيف اختارونا لعضوية مؤتمر‬               ‫فقط‪ .‬لذلك بعد وفاة الزعيم تغير كل‬         ‫ثقافية في قرية بني عديات أو قرية‬
                    ‫الأدباء الشبان؟‬          ‫شيء في مصر ولم يعد لها زعيم‪.‬‬
   ‫أرسلوا لكل محافظة أحد الأدباء‬
   ‫المعروفين ليلتقي بالأدباء الشباب‬
    ‫فيها‪ .‬نظم قصر ثقافة أسيوط هذا‬
    ‫اللقاء‪ .‬معظم الأدباء الشباب كانوا‬
    ‫يترددون على القصر‪ .‬أرسلو إلى‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257