Page 48 - ميريت الثقافية- العدد 19- يوليو 2020
P. 48

‫العـدد ‪١٩‬‬             ‫‪48‬‬

                                                     ‫يوليو ‪٢٠٢٠‬‬  ‫بمنع أبي الغيث من وراثة زاويته؟!‬

 ‫وأكبر مدرسة علمية وثقافية وصوفية في الجزيرة‬                          ‫>>>‬
‫العربية‪ ،‬كما أن ذريته ستكون واحدة من أهم الأسر‬
                                                        ‫ثمة تفسير مقنع إلى حد كبير نستطيع تقديمه‬
                         ‫في العالم الإسلامي كله‪.‬‬     ‫بعد معاشرة طويلة للروايات والنصوص التي أم َّدتنا‬
 ‫فأحب من خلال تلك الوصية بإبعاد أهم تلاميذه‬
‫عن وراثة مقامه‪ ..‬أن يحفظ المكان لهم حتى يكبروا‬          ‫بها كتابات تموضعت شمس الشموس وشيوخه‬
                                                         ‫ومريديه ومكانته في زمانه وبعد زمانه ومكانة‬
     ‫وحتى لا تبهت أنوارهم وهم يكبرون في و َهج‬            ‫شيوخه ومريديه في أزمنتهم وبعدها‪ ،‬يمكننا أن‬
                          ‫شمس الشموس الباهر‪.‬‬
                                                                   ‫نطرح هذا التفسير على النحو التالي‪:‬‬
                        ‫>>>‬                               ‫أو ًل‪ :‬أن الأهدل كان يعرف أن في داخل أبي‬

   ‫ولقد تح َّقق كل ما استش َّفه الأهدل ولقد أصبح‬            ‫الغيث شخصية متم ِّردة‪ ،‬وأن تلك السمة في‬
     ‫أبو الغيث بن جميل بعد سنوات من المجاهدات‬        ‫شخصيته لا تقنع إلا بأن تكون ذات نفسها‪ ،‬ومحور‬

 ‫والاجتهاد والمكابدات في طريق الله وخدمة الناس‬          ‫كونها ورأس طريقتها‪ ،‬وأن مثل أبي الغيث يجب‬
      ‫ونشر العلم إلى الرجل الأهم بين أولياء اليمن‬      ‫أن يكون رأ ًسا كبي ًرا‪ ،‬وشم ًسا تدور حولها كواك ُب‬
                                                      ‫وأقمار‪ ،‬بل شم ًسا تدور حولها الشموس‪ ،‬لا كوكبًا‬
‫الكبار‪ ،‬فأطلقوا عليه لقب (شمس الشموس)‪ ،‬وه َفت‬         ‫يدور حول شمس أخرى‪ ،‬وبالتالي فإن عدم توريثه‬
‫إليه قلوب المتصوفة والعلماء والعامة من كل مكان‪،‬‬      ‫الرباط والزاوية سيساعده على ابتكار نهره الخاص‪،‬‬
                                                      ‫سيجعله يبحث عن نفسه بعي ًدا عن شيخه وميراثه‪،‬‬
     ‫وتميزت شخصيته بالجرأة والاقتحام والفتوة‪،‬‬         ‫وبعي ًدا عن رباط الشيخ وزاويته‪ ،‬سيتح َّقق بالشكل‬
 ‫وعند ثلاثينيات القرن السابع الهجري‪ ،‬كان شمس‬
                                                        ‫الذي يؤدي به إليه اجتهاده‪ ،‬وبحسب فتح مولاه‬
    ‫الشموس المتحدي الذي يخوض في علم الكلام‬                                                      ‫عليه‪.‬‬
     ‫ويناقش العلماء في علومهم‪ ،‬ويلجأ إليه الفقهاء‬
     ‫لاعتقادهم أن مسحة من يده على صدر أحدهم‬           ‫ثانيًا‪ :‬أن الأهدل كان يلاحظ جرأة أبي الغيث بعد‬
 ‫تملأه بأنوار الفتح والفهم‪ ،‬وتجلب له سيول الخير‬          ‫انفصاله عنه‪ ،‬فهو إضافة إلى جاذبية شخصيته‬
‫والبركة‪ ،‬ويجلس إليه في حلقة درسه فقهاء عمالقة‪،‬‬           ‫الشديدة التي تضيف كل يوم أتبا ًعا جد ًدا‪ ،‬فإنه‬
‫وأولياء هم نجوم وقتهم‪ ،‬من أمثال‪ :‬أحمد بن موسى‬           ‫لا يتوانى عن اجتذاب أتباع مهمين لشيوخ كبار‪،‬‬
  ‫عجيل‪ ،‬وإسماعيل بن محمد الحضرمي‪ ،‬وعلي بن‬                ‫كان الأهدل نفسه يراهم أكبر منه مقا ًما‪ ،‬إضافة‬
‫مسعود السباعي‪ ،‬وعمرو بن علي التباعي‪ ،‬ويقصده‬              ‫إلى كونهم أكبر منه سنًّا مثل‪ :‬البجلي والحكمي‬
     ‫القصاد من إب ووصاب‪ ،‬وحضرموت‪ ،‬وعدن‪،‬‬                  ‫(كان الأهدل الشيخ قد كشف لتلميذه أبي الغيث‬
    ‫والحبشة‪ ،‬والعراق‪ ،‬ويأتي الشريف العيسي من‬
 ‫دمشق خصو ًصا لكي يراه ويصحبه‪ ،‬ويعول الإمام‬           ‫ذات ليلة عن مقام البجلي والحكمي الذي لا يطاوله‬
 ‫أحمد بن الحسين على كلمة منه لتصير تهامة كلها‬        ‫مقام‪ ،‬وقال له‪ :‬أنا سأر ُث مقامهما في الولاية‪ ،‬وأنت‬
 ‫في قبضته‪ ،‬ويقف السلطان المظفر على بابه حافيًا‬       ‫سترثني فيما بعد)‪ ،‬وها قد اجتذب أبو الغيث واح ًدا‬
   ‫واض ًعا زوج حذائه على عاتقه ليأذن له في تولي‬
                                                               ‫من كبار أتباع الحكمي هو الشيخ فيروز‪.‬‬
                                        ‫المملكة‪.‬‬         ‫ثالثًا‪ :‬أن الأهدل وهو من أشهر الأولياء الذين‬

                        ‫>>>‬                                ‫منحهم الله موهبة الكشف كان قد انفتحت له‬
                                                     ‫نافذتان من نوافذ الغيب‪ ،‬فرأى من إحداهما مستقبل‬
  ‫شمس الشموس الذي صار كل هذا سيأتي أحد‬
 ‫تلاميذه ليلعب أمامه نفس الدور الذي لعبه هو أمام‬         ‫أبي الغيث ومجده الباذخ‪ ،‬ورأى من الأخرى أن‬
                                                         ‫زاويته ورباطه سيتح َّولان في المستقبل على يد‬
    ‫شيوخه‪ :‬ابن أفلح‪ ،‬والأهدل‪ ،‬والحكمي وغيرهم‪،‬‬           ‫أولاده (مات الأهدل شا ًّبا وكان أولاده عند موته‬
   ‫وهذا التلميذ لن يكون إلا الولي الكبير (فيما بعد)‬      ‫أطفا ًل)‪ ،‬ثم على أيدي ذراريهم فيما بعد إلى أهم‬

                   ‫الباهوت الأكبر أحمد بن علوان‪.‬‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53