Page 221 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 221

‫تواصل المشهدية هنا دورها بالغ‬                       ‫القوي البنيان كحائط‪،‬‬
      ‫الأهمية في تجسيد التحولات التي‬                    ‫تتجلط الرجولة في عروق‬
‫طالت المكان‪ ،‬والتي بدأت في مد قنوات‬
‫تأثيرها ربما لتصنع التحول في شخصية‬                          ‫تكاد تشق عنها الجلد‬
    ‫السارد‪ ،‬ومن خلال الدلالات والإشارات‬                ‫وتجعل دمي نا ًرا وتنسكب‬
     ‫المبثوثة بدقة وعناية بحيث تفرض‬                      ‫مني بالإشارة‪ ،‬لدي شقة‪،‬‬
 ‫كل علامة أثًرا نفس ًّيا مك ِّمًل للحالة التي‬           ‫وأكثر من خمسمائة جنيه‬
    ‫وصل إليها السارد بالتوازي والتماس‬                  ‫في البنك‪ ،‬ولا أم ولا أب ولا‬
‫مع حالة البيت الرمز الأكبر للمكان‪ /‬بيت‬                  ‫أخوة ولا أعرف لي أقارب‪،‬‬
                                                       ‫أنا شجرة محمد علي لا أجد‬
                                   ‫الياسمين‬            ‫امرأة‪ ،‬ألا توجد فتاة واحدة‬

   ‫ولن أتخلى عن المهمة‬       ‫حين ينتفض ليحاول تغطية‬       ‫شجاعة تتقدم لي فتنهي‬
              ‫القذرة»(‪.)7‬‬         ‫عجزه من خلال عمله‬     ‫عجزي وتئد نسياني؟»(‪.)6‬‬
                                                       ‫تلعب التفاصيل الداخلية التي‬
  ‫تبدو هنا الشمس كرمز‬        ‫المشبوه والمتورط من خلال‬
  ‫كاشف للحقيقة‪ ،‬وضوء‬           ‫الجوس داخل المكان‪ ،‬من‬       ‫تغلب بصيغتها المشهدية‬
‫مسلط يهرب منه السارد‪،‬‬         ‫خلال هذا الهذيان المريض‬   ‫الداخلية النفسية التي تقرن‬
‫ليستعيض عنه بمساحات‬                           ‫الساخر‪:‬‬
  ‫الظل بعي ًدا عن المواجهة‪،‬‬     ‫«ويريدون أن أستقبل‬          ‫بين الانفعالات النفسية‬
  ‫وفي الوقت ذاته يمارس‬                                       ‫وبيان عدم جدوى كل‬
‫المازوخية‪ /‬التلذذ بتعذيب‬     ‫بيجين‪ ..‬اتفوه! سأستقبل‬        ‫المكتسبات المادية القائمة‬
  ‫الآخرين والدفع بهم في‬             ‫بيجن وأم بيجن‪..‬‬       ‫على الزيف والذي يتوازى‬
   ‫طريق ممارسة الزيف‪،‬‬                                       ‫مع فساد المكان‪ /‬البيئة‬
  ‫والمنتقمة منهم كعمال‪/‬‬       ‫سأجعل العمال يحيونه‪.‬‬     ‫الحاضنة‪ ،‬حيث ينقلب الموقف‬
 ‫مشاركين في مسيرات لا‬            ‫لن أسرقهم هذه المرة‪.‬‬      ‫الطبيعي إلى موقف عبثي‬
‫يدرون الهدف من ورائها‪،‬‬                                     ‫تختلف فيه ماهية الأمور‬
‫بإلقائهم في لهيب الشمس؛‬      ‫سأجلس في مقهى المحطة‪،‬‬     ‫لتعكس هذا الخواء والضعف‬
 ‫ليرصد هذا التوجه مدى‬             ‫في الظل‪ ،‬وسأتركهم‬        ‫والعجز الذي يأتي كآثار‬
  ‫الانحدار الفكري كهدف‬                                 ‫سلبية لعدم الشعور باكتمال‬
                                ‫في الشارع الواسع‪ ،‬في‬   ‫الذات والسخرية منها‪ ،‬ليعلو‬
     ‫نفسي مدمر في ذات‬             ‫الشمس‪ ،‬بالضبط في‬     ‫صوت الذات الداخلي ليكشف‬
    ‫السارد الذي بدأ يفقد‬          ‫ميدان المحطة‪ ،‬حيث‬          ‫عن عجزها عن المواءمة‬
  ‫السيطرة على تصرفاته‪،‬‬        ‫تبتعد العمارات وتصبح‬      ‫التي تحقق السعادة المعنوية‬
 ‫ويتردد فيها‪ ،‬ويعمل على‬           ‫المنطقة بؤرة للضوء‬    ‫المرجوة‪ ،‬في ظل الخواء الذي‬
                               ‫تسقط فوقها الأشعة في‬     ‫تؤدي إليه حالة عدم القناعة‬
                                ‫الظهيرة حزمة واحدة‬        ‫بما أفرزته هذه الحالة من‬
                                                           ‫الثراء القائم على الفساد‪،‬‬
                                    ‫عريضة كالهجير‪،‬‬      ‫وهي المحددات النفسية التي‬
                                                          ‫تجعل الأمر يتأزم معنو ًّيا‪،‬‬
                                                         ‫للدخول في حالة جديدة من‬
                                                           ‫خلال خوض غمار المهمة‬
                                                       ‫القذرة بحسب تعبير السارد‪،‬‬
   216   217   218   219   220   221   222   223   224   225   226