Page 240 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 240

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪238‬‬

                                                         ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬  ‫الذي عاشت فيه الإسكندرية‬
                                                                        ‫قبل الهجمة الهمجية التي‬
  ‫لـ(مذكرات عبد أمريكي)‬       ‫فيه الثقافة تهمة والوعي‬
      ‫لفريدريك دوجلاس‪،‬‬        ‫جريمة والكتابة والقراءة‬                ‫أطاحت بكل جميل في مصر‪،‬‬
                                                                           ‫إنه لم يتوقف يو ًما عن‬
  ‫وغيرها من الأعمال التي‬       ‫فع ًل يثير الريبة‪ ،‬فمثل‬
    ‫أمتعتنا وسدت ثغرات‬       ‫مع بهاء طاهر وصنع الله‬                    ‫الكتابة والتدوين والمواجهة‬
                                                                     ‫والمراجعة‪ ،‬زاده في ذلك ثقافة‬
 ‫عميقة تعاني منها الثقافة‬      ‫إبراهيم وإدوار الخراط‬                 ‫أصيلة أساسها تعليم حقيقي‬
     ‫المصرية الحالية التي‬     ‫وغيرهم أبطال حقيقيين‪،‬‬
                              ‫أبدعوا أفكارهم وسردوا‬                     ‫ذاب الآن من مصر تما ًما‪،‬‬
  ‫تئن من العطش الفكري‪،‬‬                                                 ‫وكان هذا التعليم الجيد هو‬
     ‫وتعاني الفراغ الكبير‬        ‫حكاياتهم في جو غير‬                    ‫الأرض الطيبة التي أنجبت‬
                            ‫مشجع على الإطلاق‪ ،‬فهذه‬                     ‫لنا عظماء مصر في مختلف‬
   ‫برحيل الكبار عن عالمنا‬    ‫إحدي دروسه التي ألقاها‬
‫دون وجود من يخلفهم في‬        ‫علينا دون كلام‪ ،‬إخلاص‬                      ‫المجالات‪ ،‬وتجربة حياتية‬
                                                                     ‫غنية في سنواته التي قضاها‬
   ‫مجالاتهم على اختلافها‪،‬‬        ‫للفن والأدب‪ ،‬وعشق‬
‫وقاومت الضربات العنيفة‬     ‫للحياة لا يفنى‪ ،‬ولو أتيحت‬                   ‫في الإسكندرية أو القاهرة‪،‬‬
 ‫التي توجه لقوتنا الناعمة‬                                            ‫ساعدته عين الأديب الكاشفة‬
                              ‫له الظروف المواتية لقام‬
      ‫لفرض القيود عليها‬      ‫بدور فعال في المؤسسات‬                       ‫التي تستلهم إبداعها من‬
    ‫والإجهاز على ما تبقي‬    ‫الثقافية‪ ،‬لكن ظروف بيئته‬                 ‫الحياة حولها وتجلياتها عبر‬
     ‫منها‪ ،‬إن تلك التجربة‬                                            ‫الأشخاص والأحداث‪ ،‬سيرة‬
‫تذكرني بابن خلدون الذي‬          ‫التي طالما تشكى منها‬
‫دأب على البحث عن منصب‬          ‫في أعماله‪ ،‬كانت ترفض‬                     ‫عمر تناثرت بين الروايات‬
     ‫أو مكانة سياسية في‬       ‫أمثال هذا الرجل‪ ،‬فكيف‬                  ‫والمقالات التي لو جمعناها في‬
 ‫بلاط الخلفاء ‪-‬كاتبنا كان‬     ‫يعمل مع أناس يعتبرون‬
   ‫مستعف ًفا‪ -‬ولما يئس قر‬      ‫التمثيل والرسم والغناء‬                 ‫كتاب واحد لصارت شهادة‬
 ‫في قلعة بني سلامة يدون‬                                                   ‫على عصر بدأ مع الزمن‬
‫ما سيثير شغف العالم من‬           ‫من المحرمات؟ وكيف‬                            ‫الناصري إلى الآن‪.‬‬
‫الشرق إلى الغرب والشمال‬        ‫في الأساس وصلوا إلى‬
 ‫والجنوب‪ ،‬مستشر ًفا آفاق‬    ‫الكيانات الثقافية المصرية؟‬                 ‫تمثل أعماله إضافة حقيقية‬
    ‫جديدة للحياة البشرية‬       ‫لكن كما نقول «محدش‬                          ‫للأدب المصري‪ ،‬ولهذا‬
    ‫في كتاب سيترجم لكل‬       ‫عارف الخير فين!» فبهذا‬
 ‫اللغات ويدرسه كل مهتم‬        ‫النبذ استطاع أن يكرس‬                    ‫الميزان مقياس صادق‪ ،‬فكل‬
  ‫بالعلوم الإنسانية نعرفه‬  ‫جهده وطاقته للفن الروائي‪،‬‬                      ‫عمل فني لا بد أن نزنه‬
 ‫نحن بلغتنا العربية باسم‬
     ‫(مقدمة ابن خلدون)‪.‬‬           ‫فكانت (ليلة العشق‬                     ‫بسؤال‪ :‬كم كنا نخسر لو‬
  ‫إبراهيم عبد المجيد نفسه‬    ‫والدم)‪( ،‬بيت الياسمين)‪،‬‬                   ‫لم يكن موجو ًدا‪ ،‬وما الذي‬
    ‫شبيه بأبطال رواياته‪،‬‬                                             ‫أشبعه فينا روحيًّا وإنسانيًّا‪،‬‬
  ‫مصري تمزق في مراحل‬               ‫(المسافات)‪( ،‬البلدة‬                  ‫أعمال إبراهيم عبد المجيد‬
    ‫عديدة‪ ،‬لكنه بطريقة ما‬   ‫الأخرى)‪( ،‬قناديل البحر)‪،‬‬                    ‫التي تراوحت بين الرواية‬
   ‫يعود من جديد‪ ..‬ينهض‬                                                   ‫والقصة والمقال والسيرة‬
‫لأن قراءه ومحبيه ينادون‬       ‫(شهد القلعة)‪( ،‬وفي كل‬                    ‫الذاتية المستترة في أحاديثه‬
                           ‫أسبوع يوم جمعة)‪( ،‬طيور‬                      ‫عن تجربته الأدبية وعشقه‬
                  ‫باسمه‬                                              ‫للفن السينمائي‪ ،‬لو لم توجد‬
                             ‫العنبر) و(الإسكندرية في‬                    ‫لخسرت ثقافتنا المعاصرة‬
                              ‫غيمة) المتممتان للثلاثية‪،‬‬                ‫الكثير‪ ،‬لقد كتب أهم أعماله‬
                              ‫وكتبه (ما وراء الكتابة)‪،‬‬
                                                                          ‫في زمن رديء أصبحت‬
                               ‫(أنا والسينما)‪( ،‬غواية‬
                               ‫الأسكندرية)‪ ،‬وترجمته‬
   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245