Page 244 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 244

‫العـدد ‪37‬‬          ‫‪242‬‬

                                                                ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬      ‫يدس لنا ال ُسم في العسل‬
                                                                                ‫من خلال طرح العلاقات‬
    ‫وهنا حمد الراوي الله‬       ‫لم يطل مشينا حتى وجدت‬                           ‫الغربية الشرقية في قصة‬
     ‫حم ًدا كثي ًرا في نفسه‪،‬‬   ‫نفسي أمام مقهى «الفلور»‬                        ‫جميلة سلسلة لا يفهم منها‬
  ‫عندما تذكر وجود بعض‬                                                          ‫إلا علاقات عابرة وإعجاب‬
 ‫الطعام الخفيف في غرفته‬           ‫بالسان جيرمان‪ ،‬مقهى‬                       ‫زائف وانبهار مؤقت؛ ولكنها‬
    ‫الفندقية الذي يساعده‬         ‫الوجوديين الشهير الذي‬                        ‫أكدت على الحقيقة الصعبة‬
    ‫على سد جوعه‪ ،‬كما في‬         ‫أحرص دائ ًما على أن آخذ‬                     ‫التي يعاني منها الشرق ج َّراء‬
‫قوله‪« :‬هنا بدأت أنسي كل‬
   ‫شيء وأفكر في أن لد َّي‬           ‫فيه فنجا ًنا من القهوة‬                            ‫تعامله مع الغرب‪.‬‬
 ‫في الغرفة شيب ًسا وتفا ًحا‬         ‫في كل مرة أزور فيها‬                        ‫وهذا ما أكدته أنجيلا‪ ،‬بل‬
‫ومشرو ًبا تكفي أن أتعشى‬                                                          ‫تكرر منها بشكل متعمد‬
  ‫حين أعود»(‪ ،)18‬لكن يبدو‬                    ‫باريس»(‪.)16‬‬                     ‫عندما تقابلت مع الراوي في‬
   ‫واض ًحا ما يفعله الغرب‬      ‫بهذه التصرفات العشوائية‬                          ‫اليوم التالي‪ ،‬وذهب معها‬
  ‫تجاه الشرق من تضييع‬         ‫من قبل أنجيلا بدأت تضيع‬                           ‫لتناول طعام العشاء‪ ،‬إلا‬
     ‫فرص حقيقة عليه في‬        ‫الوقت والعشاء على الراوي‪،‬‬                         ‫أنها أخذت تجري وتمرح‬
   ‫جميع المجالات‪ ،‬وفي كل‬      ‫وبالفعل ضاع وقت العشاء‬                         ‫وتضيع الوقت بشكل ملفت‬
  ‫الاتجاهات الكائنة‪ ،‬حتى‬                                                     ‫ومقصود منها‪ ،‬مما أدى إلى‬
 ‫ينجم عن هذه التصرفات‬              ‫بعدما ذهبت إلى المطعم‬                     ‫ضياع الوقت وعدم حصوله‬
‫والخدع كارثة حقيقة للأنا‬      ‫البعيد دون التأكد من فتحه‬                      ‫على وجبة العشاء‪ .‬وفي سرد‬
                               ‫أو غلقه أو انتقاله إلى مكان‬                      ‫الراوي للموقف يؤكد في‬
         ‫العربي الشرقي‪.‬‬                                                     ‫قوله‪« :‬هل هناك مطعم محدد‬
    ‫يعود الراوي يستكمل‬           ‫آخر‪ .‬رغم أن هذا الموقف‬                      ‫تحبه؟ سألتني‪ ،‬قلت‪ :‬نذهب‬
   ‫ما حدث في قوله‪« :‬قلت‬       ‫يدين أنجيلا كونها من أبناء‬                      ‫إلى السان ميشيل ونختار‪.‬‬
  ‫من هنا يا أنجيلا‪ .‬تمشي‬                                                        ‫أسرعت‪ ،‬وأسرعت معها‬
                                ‫البلد (فرنسية الجنسية)‪،‬‬                       ‫منده ًشا من سرعتها‪ .‬لا بد‬
      ‫قلي ًل ثم تنعطف إلى‬          ‫وتحفظ كل شبر فيها‪،‬‬                         ‫أن هذه طريقتها في المشي‪.‬‬
   ‫السان ميشيل‪ .‬قلت لا‪،‬‬
    ‫إنها تعرف طري ًقا آخر‬       ‫فلماذا تعمدت ألا تنزل في‬                          ‫محطة المترو قريبة‪ ،‬أنا‬
                                 ‫محطة معروفة‪ ،‬وتتناول‬                        ‫عادة أركب المترو إلى محطة‬
      ‫مختص ًرا‪ ،‬وأسرعت‬            ‫العشاء مع الراوي دون‬                      ‫الأوديون ثم أغيره إلى المتجه‬
  ‫تدخل زقا ًقا خلف مقهى‬           ‫أية مشاكل تذكر؟! إنها‬
                                ‫تع ّمدت الموقف من البداية‬                      ‫للسان ميشيل‪ ،‬لا يتجازو‬
    ‫الفلور فأسرعت معها‪.‬‬         ‫حتى النهاية‪ ،‬وفي كل مرة‬                       ‫الوقت عشر دقايق وركبنا‬
 ‫الزقاق ضيق ونظيف مثل‬          ‫كان الاعتذار طريقتها بكل‬                        ‫المترو؛ ولكنها لم تنزل في‬
                                 ‫دهاء؛ ولكن هذا الاعتذار‬
    ‫كل أزقة باريس‪ ،‬مليء‬        ‫دون مبرر يذ ِّكر أو يوضح‬                                      ‫الأوديون‪.‬‬
    ‫بالمحلات التي تعرض‬        ‫للراوي أو لنا كقراء كينونة‬                               ‫– لا لا أنا أعرف‪.‬‬
   ‫الأزياء والأحذية‪ ،‬وكلها‬    ‫الأمر‪ .‬إلا أنها دائ ًما ما تبادر‬                ‫قالت ذلك ونزلنا في محطة‬
     ‫معلقة ومضيئة خلف‬         ‫بالاعتذار بعدما تكون نفذت‬                           ‫تعذر علىَّ حفظ اسمها‪.‬‬
      ‫واجهاتها الزجاجية‪.‬‬          ‫مهمتها المرجوة‪ ،‬كما في‬                     ‫صعدنا إلى السطح‪ ،‬الشارع‬
   ‫بدت لي محلات خاصة‬            ‫قولها‪« :‬معذرة آسفة ج ًّدا‪،‬‬                      ‫شبه خا ٍل بسبب الإجازة‬
‫للأغنياء من أنواع البضائع‬         ‫أنا لا أعرف كيف فقدت‬                         ‫الدينية‪ ،‬ووقفت هي تنظر‬
‫وأسعارها‪ ،‬خاصة محلات‬          ‫الطريق إلى المطعم»‪ .)17‬هكذا‬                       ‫حولها ثم قالت‪« :‬آه‪ .‬من‬
                                 ‫بكل سهولة تتضح منها‬                           ‫هنا»‪ ،‬وأسرعت وأنا معها‪.‬‬
          ‫المجوهرات»(‪.)19‬‬       ‫البراءة لأنها تعتذر‪ ،‬حتى‬
    ‫لم تكن تعرف الطريق‪،‬‬
   ‫بل كان يقودها العربي‬            ‫يتأثر الراوي بالاعتذار‬
  ‫حتى تستطيع الوصول‪،‬‬            ‫ولا يستطيع مجرد لومها‬

                                  ‫على تضييع الوقت بهذا‬
                                              ‫الأسلوب‪.‬‬
   239   240   241   242   243   244   245   246   247   248   249