Page 272 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 272

‫العـدد ‪37‬‬                           ‫‪270‬‬

                                   ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

‫نظام المكان الرمزي في‬

‫مواجهة فوضاه البشرية‪..‬‬
                                                                ‫عصام الزهيري‬

‫في روايته «جدار الذاكرة»‬

  ‫على رأس الشخصيات المركزية التي يدرجها منطق النظام الروحي في‬

    ‫عالم الأب الصوفي تأتي شخصية «مريضة العشق»‪ ،‬تلك المرأة التي‬
   ‫عشقت الأب عش ًقا مفر ًطا إلى حد غامض ومفارق ‪-‬مفارقة تلفت نظر‬

 ‫القارئ قبل الوصول لمفتاح عالمها في النهاية‪ -‬لأجواء عالمها الشخصي‪،‬‬

  ‫هذه المرأة «العامية الأمية» تستطيع على فراش الموت أن تلقي بكلمات‬

  ‫هيام روحي فصيح ومستغرب‪ .‬ومن تلك الشخصيات المركزية الشاب‬

‫الذي لم يعرف منذ طفولته مقتل أبيه في جريمة ثأر‪ ،‬بعد أن أحكمت أمه‬
                                         ‫إخفاء الخبر عنه خو ًفا عليه‪.‬‬

     ‫المختلفة من الأحياء والمناطق‬      ‫اتصاف هذا الموروث الثقافي‬          ‫تحظى الفيوم ‪-‬كمعظم‬
  ‫داخل مدينة الفيوم وما حولها‪،‬‬      ‫الروحاني عند أهل إقليم الفيوم‬
 ‫ونطالع من بينها أسماء إسلامية‬     ‫بالقدم والحياة يعني أن الإشارة‬       ‫أقاليم مصر‪ -‬برصيد حي من‬
                                    ‫إليه تتجاوز سطح الوعي الذي‬            ‫الموروث الصوفي الروحاني‪،‬‬
     ‫مثل‪ :‬الصوفي‪ ،‬الشيخ سالم‪،‬‬      ‫يظهر على هيئة مخزون وجداني‬            ‫وهو موروث لا تعود جذوره‬
   ‫الشيخ الروبي‪ ،‬الشيخ موسى‪،‬‬
 ‫الشيخه مريم‪ ،‬الشيخه شفا‪ ،‬أبو‬        ‫وعاطفي عميق‪ ،‬ويتجاوزه إلى‬         ‫الضاربة في الأزمنة ‪-‬مثل سائر‬
   ‫سبيحة‪ ،‬أبو جراب‪ ،‬أبو جانب‪،‬‬       ‫الفعالية ‪-‬أو المفعولية‪ -‬البنائية‬     ‫مكونات الثقافة المصرية‪ -‬إلى‬
    ‫أبو الحبال‪ ،‬المغازي‪ ..‬وغيرها‪،‬‬    ‫للعالم معرفيًّا‪ ،‬أي أنه موروث‬         ‫الطبقات التاريخية المنظورة‬
                                   ‫يمتاز بقدرته الذهنية على التأثير‬        ‫من الموروث المصري‪ ،‬لكنها‬
     ‫ولتكتمل خريطة تلك الشبكة‬                                            ‫جذور عابرة لعصور وطبقات‬
     ‫الروحية نضيف إليها المراكز‬        ‫في قراءة وصياغة تصورات‬           ‫مكوناتها التاريخية‪ ،‬من عربية‬
  ‫الروحية المسيحية المسيجة‪ :‬دير‬      ‫كلية تتسم بالغيبية والماورائية‬       ‫وإسلامية وقبطية ومسيحية‬
‫القديس الأنبا إبرام‪ ،‬دير الحامول‪،‬‬     ‫للكون والإنسان‪ ..‬ولعل أظهر‬         ‫ورومانية وإغريقية ومصربة‬
    ‫دير الشهيد تاوضروس‪ ،‬دير‬        ‫علامات تأثير تلك القدرة البنائية‬        ‫قديمة متراكمة‪ ،‬وصو ًل إلى‬
 ‫أبو سيفين‪ ،‬دير الملاك‪ ..‬وغيرها‪،‬‬
   ‫ولا نستبعد منها الأسماء ذات‬           ‫للموروث الروحاني تتمثل‬        ‫القيعان السحيقة وغير المنظورة‬
     ‫الأصول الإغريقية والمصرية‬          ‫في الرموز الشبكية المتناثرة‬      ‫التي كونتها الثقافات المصرية‬
                                      ‫على خريطة متخيلة للجغرافيا‬          ‫الأولى‪ ،‬وقد عاش أقدمها على‬
       ‫القديمة كاسم الفيوم ذاته‪،‬‬    ‫البشرية في الفيوم‪ ،‬وهي رموز‬
  ‫ومدنها‪ :‬إطسا‪ ،‬إبشواي‪ ،‬طاميه‪،‬‬     ‫تمثلها أسماء التجمعات السكانية‬     ‫ضفاف بحيرة قارون منذ بدايات‬
                                                                         ‫التاريخ الإنساني غير المدون‪.‬‬
   267   268   269   270   271   272   273   274   275   276   277