Page 276 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 276

‫العـدد ‪37‬‬                                 ‫‪274‬‬

                                     ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

‫المؤلمة نتيجة منطقية لتخلي الأخير‬           ‫التي يدرجها منطق النظام‬             ‫العام الذي لا ينقطع الشجار بين‬
    ‫عن وظيفته واستغلال سلطته‬            ‫الروحي في عالم الأب الصوفي‬               ‫العاملين فيه خلال فترة مرضه‬
                                     ‫تأتي شخصية «مريضة العشق»‪،‬‬
  ‫لتسير بالأمور في عكس طريقها‬        ‫تلك المرأة التي عشقت الأب عش ًقا‬               ‫واحتجازه‪ ،‬ما يعني انعكاس‬
   ‫المق ّدر بين العالمين‪ ،‬عندما قرر‬     ‫مفر ًطا إلى حد غامض ومفارق‬             ‫هدوء النظام الروحي الخفي الذي‬
                                       ‫‪-‬مفارقة تلفت نظر القارئ قبل‬
‫الضابط قفل السوق ووقف حركة‬           ‫الوصول لمفتاح عالمها في النهاية‪-‬‬            ‫يمثله على صخب فوضى العالم‬
     ‫التجارة في البلدة بالقوة على‬        ‫لأجواء عالمها الشخصي‪ ،‬هذه‬                                   ‫الظاهرية‪.‬‬
                                        ‫المرأة «العامية الأمية» تستطيع‬
  ‫طريقة العقاب الجماعي استحق‬          ‫على فراش الموت أن تلقي بكلمات‬             ‫ومع هذه النهاية العجيبة للرواية‬
                       ‫الصفعة‪.‬‬         ‫هيام روحي فصيح ومستغرب‪.‬‬                       ‫يمتلك القاريء مفتاح قراءة‬
                                        ‫ومن تلك الشخصيات المركزية‬
 ‫أيضا ربما تكون أهم شخصيات‬           ‫الشاب الذي لم يعرف منذ طفولته‬             ‫مغايرة لمفاصل الأحداث‪ ،‬وتفسي ًرا‬
        ‫الرواية التي تلقي النهاية‬     ‫مقتل أبيه في جريمة ثأر‪ ،‬بعد أن‬             ‫جدي ًدا لحركة الشخصيات التي‬
                                     ‫أحكمت أمه إخفاء الخبر عنه خو ًفا‬               ‫كانت على مدار الرواية ‪-‬على‬
‫العجائبية ضو ًءا غام ًضا وسحر ًّيا‬       ‫عليه‪ ،‬فلما علم بطريق معايرة‬                 ‫فوضاها الظاهرية‪ -‬تجري‬
    ‫على علاقة الأب المتصوف بها‬        ‫تاجر في السوق له قتل ابن قاتل‬                ‫طب ًقا لمقتضيات وقوانين عالم‬
       ‫شخصية «المقدس جابر»‪.‬‬             ‫أبيه أخ ًذا بثأره‪ ،‬ثم قتل الرجل‬             ‫النظام الباطني غير المنظور‪.‬‬
                                     ‫الذي عايره بالتفريط في دم والده‪،‬‬            ‫من تلك الشخصيات طبيب بني‬
   ‫وتبدأ العلاقة بين الشخصيتين‬          ‫في تجسيم مميت لغياب المعنى‬                ‫سويف «الدكتور محمد» الذي‬
      ‫باكتشاف المقدس المسيحي‬          ‫الذي يعني حضور الشر بعبثيته‬                 ‫يتداخل مع شخصية «الدكتور‬
                                     ‫في مواجهة اتساق النظام الروحي‬
    ‫«الإيمان الحقيقي» لدى الوتد‬                                                ‫إسماعيل» طبيب «يحيى حقي» في‬
‫الصوفي المسلم‪ ،‬ويقول عنها لابنه‬               ‫الباطني وجماله الخفي‪.‬‬              ‫رواية «قنديل أم هاشم»‪ ،‬عندما‬
                                     ‫وربما تكون أهم مفاصل الأحداث‬                    ‫تلمع في ذهنه فكرة كالبرق‪،‬‬
    ‫بعد وفاة الأب‪« :‬بدأت أفرض‬                                                      ‫هي المزامنة بين العلاج الطبي‬
 ‫نفسي عليه في أعيادكم وفي مولد‬           ‫التي تصنع النهاية الانقلابية‬
                                        ‫للرواية انقلا ًبا رمز ًّيا كبي ًرا في‬  ‫الدوائي والعلاج النفسي والديني‬
   ‫النبي‪ ،‬وأدعوه لزيارة بيتي في‬       ‫قراءتها‪ ،‬ما يتصل بتفسير حدث‬                 ‫والشعبي‪ ،‬أو العلاج بالخرافة‪،‬‬
  ‫الأعياد‪ ،‬حتى ارتاح إل َّي‪ ،‬فصرت‬       ‫ضخم أثار عجب الناس بغياب‬
  ‫موضع أسراره‪ ،‬وصار موضع‬                 ‫كل تفسير له‪« :‬ضابط ُيصفع‬               ‫الهدف من فكرته كانت أن تصل‬
  ‫أسراري‪ ،‬ومات وأسراري كلها‬            ‫في السوق‪ ،‬ضابط ُيضرب‪ ،‬ومن‬                    ‫به إلى الثراء السريع وهو ما‬
                                       ‫ضربه الحليم الصبور‪ ،‬الذي لا‬
     ‫معه لا يعرفها أحد”‪ .‬هنا قد‬         ‫يخرج العيب من فمه‪ ،‬لا ُيذكر‬               ‫حدث بالفعل‪ ،‬لكنها في نتائجها‬
     ‫يشعر القارئ أنه في مواجهة‬         ‫عنه أنه ضرب زوجته ولا أح ًدا‬            ‫توصلت إلى مواساة وشفاء آلاف‬
   ‫ميلاد وشيك ومثير للعجائبي‪،‬‬         ‫من أبنائه‪ ،‬ولا‪ ..‬ولا‪ !»..‬كان الأب‬
  ‫ميلاد كان بوسع الروائي «عيد‬           ‫نفسه بطل هذا المشهد العنيف‪،‬‬                ‫المرضى في إطسا وما حولها‪،‬‬
‫كامل» وروايته «جدار الذاكرة» أن‬      ‫ولم يكن حادث الصفع غير تمثيل‬                  ‫حتى قيل إنه تحدث على يديه‬
 ‫يباهيا بعودة حقوق ملكيته لهما‪،‬‬         ‫لمواجهة رمزية بين ممثل نظام‬             ‫معجزات «مثل معجزات المسيح»‪،‬‬
   ‫غير أن الكاتب لسبب ما أحجم‬            ‫العالم الخفي وممثل نظامه في‬              ‫هذا الطبيب يكتشف طريقه إلى‬
   ‫عن اقتحام جدار ذاكرة الظاهر‬           ‫العالم المادي‪ ،‬وكانت الصفعة‬           ‫عالم الباطن بصورة مادية تنتمي‬
  ‫التي فصلت ما بيننا وبين نظام‬                                                    ‫بشكل صرف إلى عالم الظاهر‪،‬‬
‫كلي خفي وكامن في ذاكرة الفيوم‪،‬‬                                                 ‫لكنه يغادر إطسا ويرحل إلى بلدته‬
                                                                                ‫الأولى بعد موت الأب «رمضان»‪،‬‬
                 ‫إقليمنا الخصب‬                                                  ‫الذي كان دليله المجهول إلى عالمه‬
                                                                               ‫الذي جهل عنه كل شيء باستثناء‬

                                                                                       ‫الشفاء الآتي عن طريقه‪.‬‬
                                                                                  ‫على رأس الشخصيات المركزية‬
   271   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281