Page 278 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 278

‫العـدد ‪37‬‬                          ‫‪276‬‬

                                     ‫يناير ‪٢٠٢2‬‬

   ‫وبعض الأمراء والكتاب‪ ،‬ودخل‬                ‫المعلم جرجس الجوهري‬               ‫(الخياطة) وخاصة صناعة‬
    ‫حسن باشا إلى القاهرة ونهب‬                                           ‫الجلابيب‪ ،‬وكان من المعتاد في ذلك‬
  ‫بيوت الأمراء والمماليك واضطهد‬          ‫والأقباط‪ ،‬فذاع صيته وكسب‬
‫الأقباط ومنعهم من ركوب الدواب‬         ‫محبة الجميع وسمع به «علي بك‬         ‫أن تورث العائلة المهنة إلى بنيها‪،‬‬
  ‫المطهمة‪ ،‬ومن استخدام المسلمين‬       ‫الكبير» (‪ )1773 -1728‬فألحقه‬         ‫ولكن أبويه ربياه تربية مسيحية‬
‫في بيوتهم‪ ،‬وأي ًضا شراء الجوارى‬       ‫بخدمته‪ ،‬ولما حكم «محمد بك أبو‬
     ‫والعبيد‪ ،‬وكذلك ألزمهم بشد‬         ‫الدهب» (‪ )1775 -1735‬البلاد‬            ‫في ُكتاب البلدة؛ فتعلم الكتابة‬
   ‫الحزمة (الزنار) وتسليط عامة‬       ‫عقب مقتل علي بك الكبير‪ ،‬وعندما‬      ‫والحساب واتقنهما وتفوق فيهما‬
‫المسلمين والغوغاء عليهم‪ ،‬واختفي‬      ‫مات المعلم رزق رئيس المباشرين‪،‬‬
                                                                                ‫على أقرانه لذكائة الخارق‪.‬‬
         ‫الأقباط في بيوتهم أيا ًما‪.‬‬      ‫أخذ الجوهري مكانه وأصبح‬               ‫واشتهر إبراهيم الجوهري‬
   ‫وفي تلك الأحداث اختفت زوجة‬           ‫رئي ًسا للمباشرين‪ .‬ثم مات أبو‬      ‫بحبه لمهنة النسخ ‪-‬كتابة الكتب‬
    ‫إبراهيم الجوهري في بيت أحد‬                                               ‫ونسخها عدة نسخ تعرف في‬
  ‫المماليك واسمه حسن آغا‪ ،‬حتى‬             ‫الدهب وخلفه في حكم البلاد‬        ‫يومنا هذا باسم المخطوط‪ ،‬وهى‬
    ‫وشى بها أحد ناكري الجميل‪،‬‬           ‫«إبراهيم بك» (‪)1817 -1735‬‬          ‫الآن تعد من أهم مصادر كتابة‬
                                        ‫و «مراد بك» (‪،)1801 -1750‬‬         ‫التاريخ‪ -‬فكان ينسخ العديد من‬
     ‫وأجبرت على تسليم ممتلكات‬          ‫وعلى الرغم من ذلك ظل إبراهيم‬     ‫الكتب الدينية التي يتم استخدامها‬
   ‫زوجها‪ ،‬وتم بيعها بثمن بخس‬         ‫الجوهري في منصبه رئي ًسا لكتاب‬      ‫أثناء القداس الإلهي مثل‪ :‬الأجبية‪،‬‬
   ‫في مزاد علنى؛ لتسديد غرامات‬       ‫مصر‪ ،‬وهى تعد من أكبر المناصب‬       ‫والخولاجي‪ ،‬والسنكسار‪ ،‬والميامر‪،‬‬
    ‫ومخالفات فرضت عليه ظل ًما‪،‬‬         ‫السيادية التي وصل إليها قبطي‬      ‫على نفقته الخاصة‪ ،‬ويقدمها للبابا‬
                                                                           ‫يؤانس الثامن عشر‪ -‬البطريرك‬
     ‫من أجل نهب وسلب أملاكه‪،‬‬                          ‫في ذلك العصر‪.‬‬        ‫رقـم ‪ )1796 -1769( 107‬في‬
     ‫وبعد فترة وجيزة عاد حسن‬         ‫وواصل الجوهري عمله باخلاص‪،‬‬              ‫مقر الدار البطريركية بكنيسة‬
‫باشا قبطان إلى الأستانة لطغيانه‪،‬‬                                             ‫القديسة العذراء مريم المغيثة‬
      ‫وفي ‪ 7‬أغسطس‪1791‬؛ رجع‬               ‫حتى عصا مراد بك وإبراهيم‬            ‫بحارة الروم بالقاهرة‪ ،‬بدون‬
‫الأميران إبراهيم بك ومراد بك إلى‬         ‫بك الدولة العثمانية‪ ،‬عندما لم‬   ‫مقابل‪ ،‬على الرغم من كثرة نفقات‬
  ‫منصبيهما في إدارة حكم مصر‪،‬‬             ‫يعترفا بـ(الوالي) الذي أرسله‬   ‫النسخ والتجليد‪ ،‬وهنا بدأت علاقته‬
   ‫ومعهما الجوهري الذي بقي في‬                                              ‫مع بابا الكنيسة الذي قربه إليه‬
                                           ‫السلطان العثماني‪ ،‬فأرسل‬       ‫وباركه قائ ًل‪ :‬ليرفع الرب اسمك‪،‬‬
       ‫مركزه الرفيع حتى وفاته‪.‬‬           ‫السلطان جي ًشا بقيادة «حسن‬        ‫ويبارك عملك وليقم ذكراك إلى‬
  ‫أما حياته العائلية فقد تزوج من‬     ‫باشا قبطان» (‪1199‬هـ‪1776 /‬م)‬
  ‫إحدى قريباته‪ ،‬ورزق منها بابن‬       ‫فقاتلهما وانهزما أمامه‪ ،‬وهربا إلى‬                            ‫الأبد‪.‬‬
   ‫أسماه «يوسف»‪ ،‬وأبنة أسماها‬         ‫الصعيد وهرب معهما الجوهري‬              ‫بدأ إبراهيم يوسف الجوهري‬
  ‫«دميانة»‪ ،‬والتي لم تتزوج حتى‬                                           ‫حياته العملية في وظيفة كاتب عند‬
  ‫وفاتها‪ ،‬وأما يوسف فقد مات في‬                                             ‫أحد أمراء المماليك‪ ،‬ثم توسط له‬
   ‫حياته قبل زواجه بأيام‪ ،‬وحزن‬                                              ‫البابا يؤانس الثامن عشر لدى‬
                                                                        ‫المعلم رزق «رئيس الكتاب» فاتخذه‬
               ‫حز ًنا شدي ًدا عليه‪.‬‬                                         ‫كاتبًا خا ًّصا له‪ ،‬واستمر يعمل‬
       ‫واشتهر الجوهري بتوزيع‬                                                ‫معه حتى أصبح رئيس الكتبة‪،‬‬
‫الصدقات للفقراء والمساكين في كل‬                                           ‫وتميز بالدقة والأمانة والتواضع‬
‫مكان‪ ،‬واهتم بإطعامهم وكسوتهم‪،‬‬                                           ‫وإنكار الذات في العمل‪ ،‬وعكف على‬
  ‫كما أهتم أي ًضا بالأرامل والأيتام‬                                       ‫صنع الخير لجميع الناس بدون‬
    ‫الذين ليس لهم من يهتم بهم‪،‬‬                                           ‫تمييز بين المصريين من المسلمين‬
  ‫ورتب لهم في كل شهر من يقوم‬
   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283