Page 273 - Merit El-Thaqafyya 37 jan 2022
P. 273

‫‪271‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

      ‫وشهر شعبان يؤجل فرحة‬               ‫التاريخية في جغرافيا الفيوم‪.‬‬                ‫سنورس‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
  ‫رمضان الروحية)‪ ،‬فإن سيرته‬             ‫غير أن هذا الاقتباس والتقديم‬         ‫السمة البنائية المهمة في هذه‬
   ‫الأكاديمية تحمل نفس الشعور‬          ‫الذي طال لا يجعلنا خارج ‪-‬بل‬           ‫الخريطة المعلمية للفيوم أنها‬
  ‫بالإحباط‪« :‬التحق بالكلية حديثًا‬    ‫في قلب‪ -‬موضوعنا‪ ،‬وهو الرواية‬       ‫تدخل في باب الجغرافيا التاريخية‬
  ‫بعدما كان مدر ًسا‪ ،‬وأعد رسالة‬      ‫الأولى للروائي الفيومي عيد كامل‬    ‫والروحية الحية والمتشابكة‪“ ،‬دير‬
                                     ‫وهندستها البنائية الماورائية‪ -‬كما‬    ‫العزب” مث ًل يستمد قداسته من‬
    ‫الدكتوراه فرفضتها الجامعة‪،‬‬                                            ‫وجود رفات القديسين وشهداء‬
   ‫وأعد أخرى فرفضت‪ ،‬والثالثة‬                       ‫يصح أن نسميها‪.‬‬            ‫المسيحية الأوائل مثل‪ :‬يوحنا‬
   ‫رفضت فلجأ إلى القضاء الذي‬                                                ‫المعمدان ومارمرقس الرسول‬
                                         ‫عالم الفوضى والزوال‬            ‫ومارجرجس الرومانى والقديسة‬
     ‫حكم لصالحه‪ ،‬وقد طلب من‬                                             ‫دميانه وبربارا ومارمينا العجايبى‬
   ‫جميع الطلبة في أول محاضرة‬               ‫منذ الصفحة الأولى للرواية‬      ‫وسمعان الدباغ وشهداء إخميم‬
    ‫دراسية شراء الكتاب‪ ،‬ثم قال‬        ‫يطالعنا عيد كامل بفرحة مستلبة‬
 ‫بلهجة ساخرة‪ :‬الذي لن يشتري‬                                                     ‫الخمسة‪ ..‬وغيرهم‪ .‬وحي‬
 ‫الكتاب سوف يرسب في مادتي»!‬               ‫بالنقصان ككل أفراح العالم‪،‬‬      ‫«الصوفي» ‪-‬كمثال أي ًضا‪ -‬يعود‬
 ‫تعلم «خميس شعبان» فيما يبدو‬               ‫فرحة نجاح السارد ‪-‬الذي‬
                                     ‫يصاحبنا لبقية الرواية إما بضمير‬           ‫في مسماه إلى العارف بالله‬
     ‫من فرحه الناقص أو المؤجل‬         ‫المتحدث (أنا) أو بضمير المتحدث‬         ‫«محمد الصوفي» الذي يقول‬
    ‫درس نقصانه السلوكي‪ .‬لكن‬              ‫(نحن) على التبادل‪ -‬ممزوجة‬           ‫عنه «الشعراني» في الطبقات‪:‬‬
  ‫السارد المتمرد يقرر ألا يشتري‬        ‫بوعكة الرسوب‪ ،‬لكنه لا يرسب‬           ‫«كان رضي الله عنه من أكابر‬
  ‫الكتاب ليوفر قيمته (‪ 45‬جني ًها‬       ‫بسبب ضعف تحصيله العلمي‪،‬‬            ‫العارفين‪ ،‬يأكل من عمل يده في‬
     ‫سعر يعيد القارئ إلى ما قبل‬       ‫وعلى العكس فإنه يتحدى أستاذ‬           ‫الحياكة وغيرها‪ ،‬ولا يقبل من‬
 ‫أكثر من عشرين عا ًما تقريبًا بين‬     ‫المادة دكتور خميس شعبان بأن‬         ‫أحد شيئًا‪ ،‬وكان يحل مشكلات‬
   ‫أزمنة الرواية الآنية المتداخلة)‪.‬‬       ‫يتلو عليه كتابه «من الغلاف‬        ‫الشيخ محيى الدين بن عربي‬
 ‫وهو لا يتمرد لشيء إلا ليتسكع‬        ‫للغلاف»! وكما يحمل اسم أستاذ‬        ‫بأفصح عبارة»‪ ،‬ومن أقواله التي‬
‫في شوارع الفيوم‪ ،‬يدعو أصدقاءه‬            ‫المادة دلالة روحية على الفرح‬      ‫ينسبها الشعراني له‪« :‬فما دام‬
‫على أكواب العصير والآيس كريم‬          ‫المؤجل أو الناقص (يوم الخميس‬         ‫السالك في المسالك الفانية التي‬
‫بجوار السواقي‪ ،‬ويشتري جرائد‬              ‫يؤجل فرحة الجمعة الروحية‬       ‫هي طريق العدم فهو في السير إلى‬
 ‫وكتب ومجلات وشريط كاسيت‬                                                 ‫الله‪ ،‬فإذا قطع كرة الوجود صار‬
                                                                          ‫إلى المعبود‪ ،‬ولم تكن هذه الرتبة‬
              ‫لعبد الحليم حافظ!‬                                          ‫إلا من طريق الأسماء‪ ،‬كما أشار‬
   ‫على تلك الوتيرة ترسم الرواية‬                                           ‫إلى ذلك سيدي عمر بن الفارض‬

     ‫مدخ ًل تمهيد ًّيا لعالم بشري‬                                                                ‫بقوله‪:‬‬
‫غارق في عبثية الفوضى‪ ،‬هو عالم‬                                                  ‫“على سمة الأسماء تجري‬

  ‫مدينتي الفيوم وإطسا‪ ،‬وأطراف‬                                                                   ‫أمورهم‬
‫من المشهد القاهري الذي تصاحب‬                                                         ‫وإن لم تكن أفعالهم‬

  ‫كاميرا سرد ج ّوالة تجوال أبناء‬                                                             ‫بالسديدة»‪.‬‬
     ‫عالم الفيوم المقيم فيها‪ .‬وهو‬                                                   ‫على هذا المنوال يمكن‬
       ‫عالم يكاد يتحلل في مجمله‬                                                      ‫ان نسلك في تعريف‬
     ‫تحت وطأة الفساد والانهيار‬
    ‫النفسي والأخلاقي‪ ،‬شوارعه‬                                                          ‫بقية أسماء‪ /‬معالم‬
                                                                                    ‫تلك الهندسة الرمزية‬
   ‫تمتلئ بالقمامة ونفوس أبطاله‬
   ‫بالعشوائية والإثم‪ ،‬لا يصادف‬

                                     ‫يحيى حقى‬
   268   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278