Page 292 - merit 43- july 2022
P. 292

‫للطفل الصغير‪ ،‬أسطورة قلب‬                                ‫العـدد ‪43‬‬                           ‫‪290‬‬
   ‫الديب الذي أطعمته إياه الجدة‬
‫دفعته إلى أن لا يخاف من خوض‬                                                ‫يوليو ‪٢٠٢2‬‬  ‫الستة محمد ظاب ًطا‪ ،‬فهم أصحاب‬
  ‫مغامرات أخرى أكثر إثارة مثل‬                                                          ‫السلطة‪ ،‬ولعل هذا الحلم هو الذي‬
  ‫الذهاب للترعة التي تصب فيها‬        ‫العلاقات‪ ،‬من وجهة نظر الأب‬
                                   ‫فإنه كان يريد أن يحمي ابنه من‬                            ‫جعل محمد فيما بعد راف ًضا‬
     ‫مخلفات مصنع الكيماويات‬       ‫مستقبل مجهول وضمان مستقبل‬                                ‫لأي شكل من أشكال السلطة‬
    ‫في عمق الظلام‪ ،‬وقليلون هم‬                                                            ‫والانضباط‪ ،‬وجعل الأب يصاب‬
  ‫من يعرفون مدى رهبة ظلمات‬            ‫مزهر‪ ،‬ومن وجهة نظر الابن‬                           ‫بخيبة أمل شديدة ج ًّدا وصدمة‬
 ‫الزراعات في الأرياف‪ ،‬هناك رأى‬      ‫فإن الأب كان يريد حرمانه من‬                          ‫في ابنه الذي بعد أسبوعين فقط‬
  ‫عبلة في الترعة المسحورة وسط‬        ‫ماهيته‪ ،‬على العكس تأتي جدته‬                            ‫من التحاقه بالكلية الحربية‪،‬‬
‫فقاعات المواد الكيماوية لأول مرة‬  ‫زكية لتزوده دائ ًما ببئر لا ينضب‬                       ‫والذي من المؤكد أن الوالد كان‬
   ‫الألوان القزحية فوق الموجات‬                                                           ‫قد بذل مجهو ًدا خار ًقا لإلحاقه‬
‫السوداء‪ ،‬واستطاع أن يستخلص‬             ‫من الحكايات والأحلام‪ ،‬عالم‬                       ‫بها‪ ،‬تركها ليطلق شعره ويلتحق‬
     ‫الجمال من القبح‪ ،‬والخوف‬       ‫خرافي يجمع بين الماضي والمولد‬                           ‫بمعجزة بكلية الفنون الجميلة‬
                                                                                       ‫بالإسكندرية لأنه يريد أن يصبح‬
                                     ‫والأماكن السحرية ومغامرات‬                         ‫فنا ًنا‪ ،‬أي أب من الطبقة المتوسطة‬
                                        ‫واقعية مثل أكل قلب الديب‬                         ‫حتى يومنا هذا سيصاب بنفس‬
                                       ‫ورحلات كوبانية الجاز رغم‬                          ‫الصدمة على الأخص إن كان قد‬
                                                                                        ‫حمل ابنه أحلامه وأحلام العائلة‬
                                  ‫غضب الأم‪ ،‬مشاجرات أمه وجدته‬                             ‫كلها‪ ،‬قبل هذه الحادثة وبعدها‬
                                       ‫أي ًضا كانت بمثابة المغامرات‬                        ‫كان محمد مشاك ًسا ج ًّدا غير‬
                                                                                         ‫متوقع دائ ًما راف ًضا للاستقرار‬
                                                                                            ‫وانعكس هذا بشكل مستمر‬
                                                                                          ‫على علاقته بوالده‪ ،‬فالسعي في‬
                                                                                       ‫المسار المحتوم لصعود ابن الطبقة‬
                                                                                       ‫المتوسطة لمراتب أعلى لم يكن يو ًما‬
                                                                                        ‫من طموحات محمد عبلة المفتون‬
                                                                                         ‫بأمان لوحته والراغب دائ ًما في‬
                                                                                         ‫الحكي دون حسابات لما سوف‬
                                                                                           ‫يحدث بعد ذلك‪ ،‬ورغم تحمله‬
                                                                                       ‫لمسؤولية أسرته عند غياب والده‬
                                                                                       ‫في ليبيا عن طيب خاطر‪ ،‬فإن ذلك‬
                                                                                       ‫لم يكن على حساب فنه‪ ،‬فالفن هو‬
                                                                                          ‫أهم شيء ممكن فعله والتنازل‬
                                                                                          ‫متاح طالما هو قادر على إشباع‬

                                                                                                   ‫رغبته في تعلم الفن‪.‬‬
                                                                                         ‫هذه العلاقة المتوترة مع رغبات‬
                                                                                         ‫الوالد وأحلامه لابنه ظلت تؤثر‬
                                                                                       ‫في أعمال عبله‪ ،‬في علاقته بالظابط‬
                                                                                       ‫والعسكري والجندي‪ ،‬في انحيازه‬
                                                                                        ‫الدائم للناس‪ ،‬وفي تمرده على كل‬
   287   288   289   290   291   292   293   294   295   296   297