Page 109 - m
P. 109
107 إبداع ومبدعون
القصة
وكلما تفقدت قلبي لا أجد فيه سواك! ش ّم َمن ،و َمن عصر َمن ،و َمن قبَّل َمن ،و َمن أوقد
قلت متنه ًدا ،وقد مشى الدم في عروقي :أنشرب َمن ،و َمن أدمى َمن ،و َمن أوجع َمن ،و َمن لوى َمن،
القهوة! و َمن سند َمن ،و َمن وشوش َمن ،و َمن نادى َمن،
قالت :نشرب القهوة! و َمن غيَّب َمن ،و َمن بلَّل َمن ،و َمن بعثر َمن ،و َمن
وتواريت لأصنع القهوة ،وصوتي يتعالى بكلام خلخل َمن ،و َمن دمر َمن ،و َمن أبعد َمن ،و َمن أغرق
يتحدث عن سعادتي وفرحتي بلقياها ،وصوتها
يصل إل َّي وهي تقول :عرفت عيادتك بعد أن رأيتك َمن ،و َمن غيَّب َمن؟!
على شاشة التلفزيون ،لقد ذهب ُت إلى النقابة لأعرف كان وجه ميسون بين كف َّي.
عنوانك ..فع َّرشت كلماتها فوقي مثل الدوالي، وكان وجهي بين كفيها ،كنَّا واقفين مثل الشجر،
وتعالت في تداخل عجيب يشبه سياج توت بري، وك ُّل شي ٍء فينا يرتجف ،وأنفاسنا تكاد تطير بنا
وشاعت موسيقى ،وترنيمات كغناء يم ُّر بالمروج هنا ،واقفتني مذهول ًة ،وواقفتها مذهو ًل ،قل ُت للم َّرة
والغزلان وال ُّطيور وغدران الماء ،كن ُت ط َّي فرحي الألف /ميسون! ومرغ ُت وجهي في وجهها ،وقالت
الأقصى ،ط َّي هواء لم يم ُّر بي من قبل ،وفي توثب للم َّرة الألف :نوفل! ومرغت وجهها في وجهي،
روحي أعادني إلى ليالي الحمام الروماني ،وانتهي ُت وأحاطت بنا الهمهمات والتمتمات والأنفاس مثل
من غلي القهوة ،وخرج ُت بها ،وبص َّرة صغيرة سياج ،ولا أدري كيف عدنا إلى الأرض ،فعدنا إلى
علَّقتها بذراعي ،وأنا أدندن ،وأص ِّرح بأنني صنعت الكلام واللمس والجهر بالأسئلة ،والنظر والتأمل،
أجمل قهوة في الدنيا لأجمل وجه عرفته الدنيا،
وبأنني أحمل أجمل تذكار في الدنيا أي ًضا ،وحين والتبسم،
خطو ُت نحو الكرسي الذي تجلس فيه ميسون ،لم قالت لي ،في البدء همهم ًة :تزوج َت؟!
أجدها! كان كرسيها فار ًغا ،ولم أرها. قلت :لا ،وأن ِت؟! قالت :تزوج ُت ،ومات زوجي!
رأيت ،فوق الكرسي ،بطاقة صغيرة تحمل اسمها، قل ُت :متى؟! قالت :تزوجت منذ سنوات!
وعنوان بيتها ،وجملة تقول لي فيها :لو بقيت وقتًا قلت :عشر سنوات ،عشرون؟! قالت :أكثر!
أطول هنا ،وشرب ُت معك القهوة ،سأموت حا ًل قل ُت :والآن؟! قالت متنهدة :بحثت عنك طوي ًل ،كن ُت
لأنني ما عدت أقوى على البقاء ،سامحني ،هذا هو
عنواني ..تعال أنت إل َّي! لحظتئ ٍذ ،اندلقت القهوة
بسبب رجفة يد َّي ،وزوغان بصري ،واضطراب
قدم ّي ،ووقعت الصينية الخشبية ،وانكسر فنجانا
القهوة ،وانكسرت كأس الماء ،وجرحت أصابعي،
وسقطت ال ُّصرة ال َّصغيرة وانفتحت ..وتناثر ما
فيها ،فبدا حلق أذني ميسون ،وأسورة معصمها،
ومنديلها الحريري الأزرق الذي شممته طوال
سنوات ماضيات ،عندئ ٍذ ،وكعادتي ،أدرك ُت ووعي ُت
أن ما من ميسون جاءت ال َّي ،لأنها لم تأت أص ًل،
لذلك جلس ُت ،وتنهد ُت بعمق وأنا آخ ُذ رأسي بين
كف َّي ،ولاوم ُت نفسي ،وسأل ُتها :إلى متى سأظ ُل
أكر ُر هذا المشهد وأعي ُده ،إلى متى ..إلى متى؟!