Page 111 - m
P. 111
109 إبداع ومبدعون
القصة
ذاكرتى كى تبتعث لخيالى كل من عرفت فى حياتى جهد ضائع بلا عائد.
من الأموات .ولما تأكدت أننى استنفدت كل ما تذكرت زمي ًل قدي ًما له يدعى سراج .فرحت لذلك
أملك من سبل وحيل فى البحث عنه دون جدوى، كثي ًرا لأنهما كانا صديقين حميمين .سألت عنه
لجأت إلى وسيلة -ربما تكون رخيصة -أقلل فيها فعلمت أنه أحيل إلى التقاعد .بحثت بكل ما أوتيت
من أهمية الأمر أمام نفسى حتى لا أبتئس كثي ًرا. من عزم فى أوراقى القديمة حتى عثرت على رقم
فما العائد الذى سأجنيه لو وجدته؟ وما الأهمية تليفونه الأرضى .لم تكن الهواتف المحمولة قد
أصلا فى إيجاده؟ وما السبب وراء كل هذا الاهتمام ظهرت فى ذلك الوقت .لم أسمع غير رنين جرس
الشديد بمطلب لا جدوى منه؟ تصورت أننى عثرت
عليه بعد معاناة شديدة ،ووقفنا أمام بعضنا البعض تليفونه دون أن يرد أحد .تضاعفت رغبتى فى
البحث عن سراج مدفو ًعا بفضول غير عادى،
وج ًها لوجه ،فلم أجد كلا ًما أقوله له ،أما هو فلم أنسانى قضيتى الأصلية وهى البحث عن يوسف.
يتذكرنى على الاطلاق! أخي ًرا عرفت أن سراج قد مات .سألت عن ابنه
الذى كان يتدرب بشركتنا عندما كان طالبًا بكلية
الزراعة .استطعت بعد عناء أن أتوصل إليه من
خلال أحد معارفه بالشركة ممن كانوا يتدربون
معه .توقعت أن يعرف شيئًا عن محمد يوسف
صديق والده الراحل .قال لى إنه سيبحث فى أجندة
تليفونات والده علَّه يعثر على الرقم المطلوب .وعدنى
بالرد بأسرع ما يمكنه لكنه لم يرد نهائيًّا .عاودت
الاتصال به وبنيتى أن ألومه على موقفه .علمت من
ذويه أنه سافر منذ عدة أيام للعمل بدولة عربية.
لم أتعجب لقلة ذوقه ،فأنا لم أكن أحبه منذ أن كان
يتدرب عندنا .كنت أسميه «المعووج» لأنه رغم فقر
أبيه الشديد كان يبدو متعاليًا متعجر ًفا فى علاقاته
بالآخرين وكأنه خلق من طينة غير طينتهم .طبائع
البشر تدخل ضمن غرائب الحياة التى يستحيل
تفسيرها بالمنطق.
لم أفقد الأمل فى العثور على يوسف ،وإنما ازداد
اهتمامى بالبحث عنه رغم أنه لم يكن هناك أى دافع
من دوافع المصلحة وراء هذا الاهتمام .الغريب أن
معظم الموظفين الذين عاصروا أيام عمله بفرع أبى
قير قد ماتوا دون أن يخطرنى أحدهم بموته سواء
قبل الموت أو بعده .وعملا بمبدأ المعاملة بالمثل ،فقد
قررت ألا أخطر أح ًدا من زملائى أو حتى أقاربى
بموعد وفاتى الذى لا أعرفه ..ما معنى أن يختفى
إنسان فجأة من دائرة الحياة فلا نعثر له على أثر
ولا نعلم إن كان حيًّا أو ميتًا.
عجزى عن العثور على يوسف عذبنى كثي ًرا إذ
أوقعنى في أسر كثير من الهواجس والهلاوس
النفسية ،وجعلنى أفكر فى الموت كثي ًرا ،فأشحذ