Page 114 - m
P. 114

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪112‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

‫حتى أنه يعرض نفسه لأقصى العقوبات‪ ،‬فببساطة‬                  ‫غطرسة ساذجة‪ .‬الأميرة وأمها الملكة يتخطيان‬
   ‫يمكن للملك أن يأمر بقطع رقبته! تتمعن فيه‪ ..‬يا‬      ‫الأروقة الرائعة‪ .‬الأميرة في نشوة لم تذقها من قبل‪.‬‬
   ‫له من شاب وسيم رشيق طويل عريض الكتفين‬
  ‫أنيق‪ .‬رأسه وسن رمحه الذهبي يعلوان على بقية‬             ‫لقد شبت وصارت فتاة برز لها ثديان صغيران‪،‬‬
  ‫الرءوس‪ .‬لم تع ِط شأنا للنبلاء الذين ينحنون مرة‬           ‫وعيناها الزرقاوان صارتا تشعان مع زرقتهما‬
  ‫ومرتين وثلاثة انصيا ًعا وترحيبًا بالعائلة الملكية‪.‬‬      ‫فتنة أنثوية رعناء‪ .‬وهذه أول مرة تدخل القاعة‬
    ‫الحارس لا ينحني مثل البقية! واقف يتابعها في‬           ‫الملكية كفتاة أميرة لا كطفلة أميرة‪ .‬وهي في تلك‬
             ‫بلاهة عشق شبابي فطري إعصاري‪.‬‬                  ‫الحالة السحابية الوردية‪ ،‬إذا بعينيها تتلاقيان‬
      ‫صديقات الأميرة اللاتي لم يفتهن تب ُين حالة‬           ‫بعيني حارس شاب طويل جميل‪ .‬عينا الأميرة‬
    ‫الحارس العاشق الساذج‪ ،‬وفهمن أن صديقتهن‬                  ‫انتبهت لعيني الحارس الرشيق الذي ينظر في‬
      ‫الأميرة تبتسم للحارس ابتسامة زهو ودلال‪.‬‬
    ‫ضحكن م ًعا مندهشات غير مصدقات‪ ،‬كيف أن‬             ‫عينيها الزرقاوين ولها ًنا! تلقت بحدسها أن الحارس‬
   ‫مجرد حارس شاب بسيط لا قيمة له‪ ،‬يعشق في‬               ‫وقع في عشقها من أول نظرة‪ .‬بقيت تنظر ناحيته‬

‫سرعة هكذا! ويعشق َم ْن؟ يعشق أميرة البلاد! كيف‬        ‫متعجبة من نظراته الحالمة التي بيَّنت كم هو مذهول‬
  ‫ُيع ِّرض نفسه للموت؟ قلوبهن تأوهت وخدودهن‬             ‫بجمالها عامة وبعينيها خاصة‪ .‬المسكين في ذهوله‬
     ‫توردت‪ ،‬فها هي قصة حب مذهلة تبدأ أمامهن‬
                                   ‫وستتصاعد‪.‬‬          ‫نسي واجبه‪ ،‬وواجبه أن يقف في مكانه مثل صنم لا‬
  ‫الأميرة تركت عيني الحارس‪ ،‬ونظرت لصديقاتها‬            ‫يتحرك ولا يلتوي عنقه لا هنا ولا هناك قيد أنملة‪،‬‬
  ‫في فخر بنفسها‪ ،‬أي انظرن كيف أن جمالي سحر‬                                     ‫بل لا تنفرج شفتاه أب ًدا‪.‬‬
 ‫هذا الحارس الساذج‪ .‬فجاوبت الصديقات نظراتها‬           ‫الفتاة مع أمها دخلتا بدايات القاعة الملكية‪ ،‬صديقات‬
     ‫بضحكات طفولية يحاولن كتمها‪ .‬خلال دقائق‬            ‫الأميرة الخمسة من عمرها‪ ،‬يقفن م ًعا في جانب من‬
     ‫والوزير يعلو صوته ماد ًحا عظمة الملك‪ ،‬عادت‬          ‫القاعة الملكية‪ .‬يقفن على أطراف أصابعهن؛ ليرين‬
    ‫عينا الأميرة الزرقاوان تنظران لعيني الحارس‪،‬‬          ‫صديقتهن الأميرة‪ .‬يرفعن أياديهن ملوحات لها‪،‬‬
                                                                                  ‫فتبتسم لهن فخورة‪.‬‬
 ‫لكن هذه المرة كانت تنظر للولهان نظرات غطرسة‪.‬‬           ‫الحارس الذي عشق ت ًّوا‪ ،‬ترك مكانه الذي لا يجب‬
    ‫أي َم ْن أنت أيها الحارس البسيط؟ أين أنت مني‬         ‫عليه تركه‪ .‬خطواته الساهمة أخذته ليكون خلف‬
  ‫وأنا الأميرة؟ العاشق لم يفهم ما في تلك النظرات‬           ‫الأميرة مباشرة! فو ًرا لحق به قائد الحرس في‬
                                                          ‫خطوات سريعة‪ ،‬وأمسك العاشق من ساعده في‬
  ‫من استكبار‪ ،‬بل سعد بها‪ ،‬وابتسم لها والسذاجة‬              ‫حزم‪ .‬أعاده لمكانه وهو ينظر له بنظرات تهديد‬
   ‫تتوهج في ملامحه البريئة‪ .‬ثم انتهت سري ًعا تلك‬                                              ‫ووعيد‪.‬‬
    ‫اللحظات الغرامية المتباهية‪ ،‬قطعها تدخل القائد‬     ‫النبلاء تجمعوا وسط القاعة يتابعون الملكة والأميرة‬
                                                           ‫حينما تصعدان درجات منصة العرش الثلاثة‪.‬‬
      ‫الذي أمسك بذراع الحارس في حزم وقسوة‪،‬‬                ‫الملكة تربعت على عرشها على يمين عرش الملك‪،‬‬
‫وأعاده لمكانه البعيد‪ .‬انتهت السهرة الملكية‪ .‬وقبل أن‬   ‫والأميرة استقرت على عرشها شمال الملك‪ ،‬وعيناها‬
‫تعود الأميرة لجناحها الخاص‪ ،‬انفردت بصديقاتها‬            ‫الزرقاوان تبحثان في شوق عن الحارس الولهان‪.‬‬
                                                       ‫رأته يترك مكانه مرة أخرى وينساب بين الحاشية‬
       ‫وصرن يغردن م ًعا قصة الحب الطائشة عن‬              ‫في رقة وكأنه مسحور‪ .‬يتقدم العاشق ويقف في‬
                          ‫الحارس الجميل الأبله‪.‬‬        ‫الصف الأول بين النبلاء الذين تج َّمعوا أمام منصة‬
                                                      ‫ملكهم‪ .‬مستمر في بث نظرات المحبة للأميرة‪ .‬بعض‬
    ‫جزاء الحارس أن تخفض رتبته فيكون حار ًسا‬            ‫الحضور المتعالي في دهشة من وقفته بينهم! تبيَّنوا‬
 ‫عاد ًّيا على أحد أبواب القصر‪ .‬حراس الأبواب أدنى‬            ‫في وضوح نظرات الهيام التي ُتبث من عينيه‪.‬‬
‫مكانة بكثير‪ ،‬وملابسهم ليست بالفخامة التي عليها‬           ‫الأميرة سعيدة فهذا أول شاب يسقط في عشقها‬
 ‫حراس القاعة الملكية‪ .‬ولأن الملك والملكة لم يلاحظا‬
‫ما جرى‪ ،‬فكان عقاب العاشق عقا ًبا بسي ًطا بد ًل من‬
   109   110   111   112   113   114   115   116   117   118   119