Page 118 - m
P. 118

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪116‬‬

                                                     ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

  ‫من مرة أن يهم بالقبض على الحقير وقطع رأسه‪،‬‬          ‫تخويف الناس وتخويفه فقط‪ .‬امتنعت الجموع عن‬
  ‫لكنه في كل مرة يتراجع خشية من غضب رعيته‪،‬‬              ‫الحضور أيا ًما ثلاثة‪ ،‬ثم تشجعوا فأتوا أضعاف‬

      ‫لقد وصل بهم النزق أن ينصبوا الخيام خلف‬          ‫َم ْن كانوا حول العاشق قبل هجوم فصيلة فرسان‬
                      ‫النخلتين‪ ،‬ويناموا فيها لي ًل‪.‬‬     ‫الملك! أتوا محملين بكل ما سيحتاجونه من مأكل‬
                                                         ‫ومشرب‪ .‬لي ًل ونها ًرا‪ .‬فكررت فصيلة الفرسان‬
    ‫الصامدون والباقون لي ًل تخطوا المائتين! وقبل‬        ‫الملكية الهجوم بخيولهم ورماحهم على المتحلقين‬
  ‫شقشقة أنوار كل فجر تأتي مائة إضافية! يقفون‬             ‫حول الشاب‪ ،‬وجدوهم وقد صاروا حشو ًدا! لم‬
 ‫جم ًعا متكاتفين‪ ،‬يتطلعون لشرفة الأميرة‪ .‬غاضبين‬
   ‫من إذلال ذات العينين الزرقاوين للشاب‪ ،‬ويزداد‬      ‫تخ َش الحشود من فصيلة الفرسان ورماحهم‪ ،‬لكن‬
 ‫غضبهم حين تظهر الأميرة؛ لتنظر للشاب ولهم في‬          ‫فصيلة الفرسان هي التي خافت‪ ،‬فن َّكست رماحها‪،‬‬
 ‫استهانة‪ ،‬ثم تعطيهم ظهرها‪ ،‬وتختفي في حجرتها‪.‬‬
‫العاشق لا يتكلم مع َم ْن حوله‪ ،‬لكنه َيعد الأيام وكل‬                               ‫وانسحبت بجيادها‪.‬‬
   ‫مغرب بصوت عا ٍل يقول‪ :‬ستون‪ .‬واحد وستون‬                ‫الفجر الخمسون طل على القصر والعاشق بين‬
                                                        ‫النخلتين يقف ثابتًا‪ .‬يقف صاغ ًرا لشرط الأميرة‬
       ‫ثلاثة وستون‪ .‬عندما تخطى الفجر الخامس‬
   ‫والستين‪ ،‬ازدادت ثقته في نفسه بتأييد الناس له‬            ‫وإن كان جسده قد نحل وناله الهزال‪ .‬وجهه‬
    ‫وصمودهم حوله‪ ،‬فلم يعودوا يخشون فرسان‬                 ‫صار غير ما كان في السابق‪ ،‬الذي كان ذا وجه‬
 ‫الملك ورماحهم‪ .‬لم يعد يكتفي بالبلحات الثلاثة‪ ،‬بدأ‬       ‫وسيم‪ ،‬صار ذا وجه هضيم‪ .‬شعره طال وتدلى‬
‫يشارك الجموع طعامهم الذي يأتون به‪ .‬ورغم الثقة‬             ‫على عنقه‪ ،‬فصار مثل لبدة الأسد‪ ،‬لحيته طالت‬
    ‫وتأييد الجموع‪ ،‬ومن الفجر السادس والستين‪،‬‬         ‫وشاربه من طوله غطى على شفتيه‪ ،‬وهبط ليلامس‬
    ‫بدأت ملامح الضعف والاسترحام تتلاشى من‬             ‫بداية لحيته من تحتهما‪ .‬في الظهيرة أتت وصيفات‬
   ‫المساحة المكشوفة من ملامحه خاصة من عينيه‪.‬‬         ‫الأميرة الخمسة‪ ،‬يراقبن العاشق من بين مصراعي‬
  ‫وفي نفس الوقت كانت وصيفات الأميرة يلاحظن‬            ‫الشرفة‪ .‬لم يتخيلن أن جمال الحارس يصير بمثل‬
                                                        ‫هذه الحالة المزرية! ولم تكن الوصيفات فقط َم ْن‬
     ‫أن نظرة الاستعلاء والتجبر من الأميرة‪ ،‬بدأت‬       ‫يراقبن العاشق‪ ،‬فخلف عدد من النوافذ والشرفات‬
  ‫تتهدل وتظهر بد ًل منها نظرات الحيرة والضعف‪.‬‬
‫وكما كان العاشق يعد الأيام‪ ،‬فإن صديقات الأميرة‬             ‫يتلصص الخدم‪ ،‬يصعب عليهم حال العاشق‬
   ‫كن يعددن الأيام‪ ،‬متشوقات كيف ستكون نهاية‬             ‫المسكين‪ .‬وفي الليلة الثانية والخمسين أتت الملكة‬
‫لعبة العشق الساخنة‪ ،‬والفجر المائة يقترب! أما الملك‬      ‫لحجرة ابنتها‪ ،‬وصارت تتلصص معها على ثبات‬
   ‫فيحرق قلبه أن الرعية التي تحته صارت تفرض‬              ‫الشاب المجنون‪ .‬في الثالثة والخمسين أتى الملك‬

     ‫عليه أم ًرا! أي صارت فوقه وهو تحتها! ولكنه‬            ‫بنفسه ليتلصص! لم يتوقع لا هو ولا زوجته‬
   ‫ُيصبِّر نفسه بأن يو ًما ما سينفذ نصيحة الوزير‬     ‫صمود الشاب الذي لم يتبين وجهه من كثافة شعر‬
    ‫اللئيم‪ ،‬سيدعي التعاطف مع الشاب وأنه موافق‬
    ‫بالتراضي أن يزوجه من ابنته الأميرة‪ .‬يأتي به‬           ‫رأسه‪ .‬لم يتوقعا كل هذا الحشد من المتحلقين‬
  ‫للقصر وبعد أيام تظن الرعية أن العاشق نسيهم‪،‬‬             ‫حوله! غضب الملك من ابنته التي أعطت الوعد‬
   ‫وانغمس في نعيم القصر‪ ،‬فيأمر بتعذيبه ثم قطع‬
                                                                       ‫بالزواج من هذا المخلوق البشع‪.‬‬
                                         ‫رأسه‪.‬‬          ‫وسط وزيره وبلاطه أطلق ثورته العارمة‪ ،‬ليس‬
        ‫في فجر اليوم السبعين‪ ،‬فوجئ الشاب كما‬           ‫فقط لأن شا ًّبا تاف ًها من العامة تجرأ وأعلن عشقه‬
  ‫فوجئت الجموع‪ ،‬الملك والملكة يظهران في الشرفة‬        ‫لابنته! بل لأن مئات من رعيته صارت مؤيدة لهذا‬
 ‫مبتسمين‪ ،‬وبينهما ابنتهما الأميرة منكسة الرأس!‬       ‫المخبول! لأنه صار من المستحيل عدم الوفاء بما ت َّم‬
      ‫وكما فوجئ الشاب و َم ْن حوله‪ ،‬بظهور الملك‬        ‫الوعد به‪ ،‬هذا إن صمد الشاب المخبول‪ ،‬واستكمل‬
    ‫والملكة‪ ،‬فوجئ الملك والملكة بعدد أفراد رعيتهم‬      ‫النهار المائة‪ .‬كل يوم وسط المجلس والملك مستمر‬
                                                     ‫في إعلان غضبه العارم‪ ،‬إن ما يحدث يعتبر تجاو ًزا‬
                                                     ‫مهينًا له ولزوجته الملكة ولابنتهما الأميرة‪ .‬كاد أكثر‬
   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123