Page 117 - m
P. 117

‫‪115‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة‬

   ‫عرقه‪ ،‬ظه ًرا لا يتناول غداءه‪ .‬وفي العشاء يكتفى‬               ‫الشرفة‪ .‬نظرت في تلهف‪ ،‬فإذا بالعاشق يقف‬
    ‫بالثلاث بلحات‪ .‬يتمدد متعبًا على الحشية‪ .‬امرأة‬         ‫مشدو ًدا بين النخلتين يتطلع إليها‪ .‬ضحكت الأميرة‬

      ‫عجوز تقدمت وجلست ملاصقة له‪ .‬نظرت له‬                   ‫على سذاجته‪ ،‬وعادت لحجرتها بعد أن ألقت عليه‬
                       ‫نظرات أم مشفقة وسألته‪:‬‬                 ‫نظرة استهانة‪ .‬في حجرتها قفزت على سريرها‬
                            ‫‪ -‬ما حكايتك يا بني؟‬
                                                            ‫الوثير راضية بعشق الشاب لها وإن كان حقي ًرا‪،‬‬
   ‫باختصار حكي لها ول َم ْن وحولهما ففوجئوا‪ .‬هذا‬             ‫لكن عقلها يقول لها‪ ..‬خسارة‪ .‬شاب فقير معدم‬
   ‫الشاب فع ًل مخبول! طلب الزواج من أميرتهم؟!‬               ‫لا قيمة له أحبني ووقع صريع عين َّي الزرقاوين‪،‬‬
 ‫والأميرة القاسية اشترطت عليه أن يقف مائة نهار‬               ‫ليت َم ْن وقع في غرامي شاب من علية القوم‪ .‬في‬
‫دون أن يجلس‪ ،‬وإن أت َّم المائة نهار‪ ،‬فسيتزوج منها!‬
‫تأكد السامعون أن ذات العينين الزرقاوين تستهزئ‬                  ‫الظهيرة من بين ضفتي شرفتها راقبته‪ ..‬رغم‬
 ‫وتسخر وتتلاعب به‪ .‬فهو لن يستطيع الوقوف كل‬                ‫شمس الصيف القوية‪ ،‬يقف المخبول مثل نخلة ثالثة‬
    ‫هذه النهارات‪ ،‬وإن كان شا ًّبا فتيًّا ومتي ًما! وعلى‬
    ‫فرض المستحيل واستطاع الصمود‪ ،‬فلن تتزوج‬                                           ‫قصيرة من النخلتين!‬
 ‫الأميرة ذات العينين الزرقاوين المغرورة منه‪ ،‬ولن‬           ‫اليوم الثاني لاحظ بعض المارة هذا الشاب ووقفته‬
  ‫يسمح الملك ولا الملكة بأن تتزوج ابنتهما الوحيدة‬          ‫الغريبة‪ ،‬فحكوا عنه‪ .‬في اليوم الخامس انتشر خبر‬
                                                            ‫الشاب المخبول الذي يقف نخلة ثالثة قصيرة‬
              ‫من شاب من الرعية فقير‪ .‬مستحيل‪.‬‬
  ‫العجوز صارت هي الراعية له‪ .‬بنت ُخ ًّصا خا ًّصا‬                ‫بين النخلتين المقابلتين لسور القصر‬
                                                                ‫وشرفة الأميرة‪ .‬أتى بعض المارة؛‬
    ‫به‪ .‬فيستريح في نومه بدون إزعاج َم ْن ينامون‬            ‫ليعرفوا ما به وما سبب وقفته! لم يقل‬
   ‫حوله‪ .‬وهي َم ْن قامت بتحميمه وغسل الجلابيب‬              ‫شيئًا‪ ،‬لكن نظراته الغريبة ناحية شرفة‬
    ‫التي أتى بها الناس له‪ .‬وهي التي أمرت أنه كل‬
   ‫فجر يقف زحام الناس خلفه‪ ،‬ولا يقفون بجانبه‬                         ‫الأميرة حيرتهم‪ .‬ولما سأله ماكر‪:‬‬
   ‫فيضايقونه خاصة أنهم يتكاثرون عد ًدا‪ .‬العاشق‬                      ‫‪ -‬هل أنت متيم بالأميرة زرقاء العينين؟‬
‫رفض أن تحلق له شعره أو تهذب له شاربه وذقنه‪،‬‬                  ‫هز رأسه‪ ،‬أي نعم‪ ،‬ولم يتمالك فانهمرت دموعه‪.‬‬
   ‫بل رفض أن يرتدي خ ًّفا آخر بد ًل من خفه الذي‬             ‫ضحك بعضهم وحزن بعضهم الآخر على جنونه‪،‬‬
                                                             ‫لكن منذ ذلك اليوم يزداد َم ْن يأتونه من الناس‪،‬‬
                   ‫اس ُتهلك تما ًما وت َّم رميه بعي ًدا‪.‬‬        ‫خاصة اللاتي في عمر المراهقة‪ .‬صعب عليهن‬
 ‫المملكة كلها سمعت بقصة الحب العميق الذي يكنه‬                 ‫حاله‪ ،‬وفي نفس الوقت كل منهن أحبته‪ ،‬وتمنت‬
                                                           ‫أن يكون هذا الشاب الجميل قد عشقها هي‪ .‬أناس‬
   ‫شاب من الرعية‪ ،‬لأميرة البلاد! وكيف أنه صار‬               ‫أتوا له ببعض ما يحتاجه‪ ،‬بداية من قبعة عريضة‬
  ‫صريع جمالها خاصة زرقة عينيها! العشرات من‬                ‫الحواف تحميه من الشمس الصيفية التي لا ترحم‪،‬‬
‫الناس أتوا من قبل الفجر‪ ،‬وانضموا ل َم ْن قضوا الليل‬          ‫أتوا له بالطعام والشراب وبحشية؛ ليتمدد عليها‬
  ‫في المكان‪ .‬هذا الزخم وقفوا خلفه يتطلعون لشرفة‬              ‫بعد الغروب‪ .‬وبعد الغروب يبقى بعضهم حوله‪.‬‬
 ‫الأميرة منتظرين طلتها! وطلت عليهم وفغرت فاها‬             ‫يرجونه ليأكل فلا يتناول إلا ثلاث بلحات ويرتوي‬
   ‫من كل هذا العدد المحتشد خلف الشاب المخبول!‬             ‫بالمياه ثم يتمدد على حشية‪ ،‬ويبقى عدد من الشباب‬
                                                            ‫فينامون على الرمال حوله‪ .‬وقبل الفجر يأتي عدد‬
       ‫الأميرة في تح ٍّد متجبر نظرت للجموع نظرة‬             ‫أغلبهم من الفتيات فينضممن ل َم ْن قضوا الليل مع‬
   ‫استهانة‪ ،‬وهي ترفع وجهها لأعلى وتزم شفتيها‪.‬‬                ‫العاشق‪ .‬يقفن خلفه‪ ،‬يتطلعن للشرفة وينتظرون‬
                                                            ‫جمي ًعا أن ينفرج مصراعاها وتطل الأميرة‪ .‬تظهر‬
       ‫بالطبع عيون الملك أوصلوا ما يحدث للملك‪،‬‬                 ‫الأميرة وتبدي استهجا ًنا من الشاب وبكل َم ْن‬
   ‫فأرسل فصيلة من جنوده على صهوات جيادهم‬
 ‫شاهري رماحهم‪ .‬هجموا ظه ًرا على الشاب والذين‬                                                       ‫حوله‪.‬‬
   ‫حوله‪ .‬هربت الجموع كلها وبقي العاشق وحي ًدا‬                  ‫لم يكن يتناول إفطاره‪ ،‬فقط المياه التي تع ِّوض‬

       ‫بين النخلتين‪ .‬لم يؤذه الجنود‪ ،‬فالأوامر هو‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122