Page 300 - m
P. 300

‫العـدد ‪60‬‬                            ‫‪298‬‬

                                ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                       ‫بحد ذاته‪ ،‬لا سيما في حالة‬
                                                                  ‫التقاليد الأدبية مثل التراث‬
  ‫خلال الربط بين «الثلاثية»‬         ‫حملة نابليون على مصر‪،‬‬         ‫العربي؛ فهو تاريخ يحتاج‬
   ‫ومؤلفها ونماذج أوروبية‬             ‫وبدايات نقل «التأثير»‬      ‫إلى إعادة كتابة مستمرة(‪.)9‬‬
    ‫مبكرة (نعلم أن محفوظ‬                                           ‫وأعتقد أن المشكلة تحتاج‬
                                 ‫الغربي (وبخاصة عن طريق‬          ‫إلى معالجة من خلال وضع‬
        ‫س ُيطلق عليه «ديكنز‬        ‫الترجمة)‪ ،‬ثم انتها ًء بفترة‬
‫المصري» وما إلى ذلك)‪ .‬بينما‬       ‫طويلة من التطور المتفاوت‬           ‫مسار تطور الرواية في‬
                                                                  ‫إطار أشمل‪ ،‬وهو ما ُيطلق‬
   ‫النقطة الثانية التي أود أن‬   ‫للأنواع الأدبية المختلفة ‪-‬مثل‬    ‫عليه عمو ًما في اللغة العربية‬
    ‫أشير إليها هي أنه عندما‬       ‫الرواية‪ ،‬والقصة القصيرة‪،‬‬
     ‫يشرع النقاد في مختلف‬        ‫والدراما‪ -‬داخل كل مجتمع‬                        ‫«النهضة»‪.‬‬
                                 ‫ومنطقة عربية‪ ،‬وكل ذلك في‬          ‫وفي هذا السياق الخاص‪،‬‬
      ‫أنحاء العالم العربي في‬      ‫إطار علاقة «تأثير» متوترة‬
  ‫استكشاف تراثهم السردي‬           ‫نابعة من الثقافات الغربية‪.‬‬           ‫أعني الرواية العربية‬
                                  ‫ولقد بالغت عم ًدا في تحديد‬         ‫وتطورها‪ ،‬فإن السؤال‬
   ‫المحلي‪ ،‬سوف يتضح لهم‬              ‫الإطار المرجعي لمثل هذا‬      ‫الذي يواجه المؤرخ الأدبي‬
  ‫أكثر من أي وقت مضى أن‬              ‫النهج هنا‪ ،‬ولكن لا دا ٍع‬         ‫في السنوات الأولى من‬
‫«النموذج الواحد للنهضة» لم‬         ‫للقول‪ ،‬إن هناك الكثير من‬        ‫القرن الحادي والعشرين‬
‫ينجح سوى في قمع العناصر‬            ‫الأدلة (في اللغتين العربية‬     ‫هو‪ :‬ما هو «التاريخ» الذي‬
   ‫المتعددة للخصوصية التي‬           ‫والغربية) لدعم مثل هذه‬          ‫يتم تدوينه تحدي ًدا‪ ،‬وما‬
                                   ‫الصورة لهذه النسخة من‬          ‫هي المعايير الرئيسية التي‬
      ‫تعتبر النتيجة المتوقعة‬       ‫التاريخ الأدبي‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬         ‫سيتم تطبيقها‪ .‬ومن بين‬
‫للتنوع الثقافي واللغوي داخل‬         ‫عند هذه المرحلة‪ ،‬أود أن‬           ‫هذه المعايير التي تبدو‬
                                  ‫أؤكد على نقطتين؛ أولاهما‪،‬‬         ‫لي أقل فائدة ما يمكن أن‬
    ‫منطقة جغرافية شاسعة‬           ‫كما أشرت من قبل‪ ،‬أن هذا‬         ‫أسميه مبدأ «نموذج واحد‬
   ‫مثل العالم العربي ودوله‪.‬‬        ‫الرأي أحادي الجانب‪ ،‬لأنه‬        ‫للنهضة يناسب الجميع»‪.‬‬
 ‫على سبيل المثال لا الحصر‪:‬‬       ‫يتجاهل كليًّا مساهمة تقاليد‬    ‫ومن الملائم‪ ،‬بالطبع‪ ،‬بالنسبة‬
                                   ‫السرد العربي في فترة ما‬           ‫لتاريخ الرواية المصرية‬
      ‫لقد تمكنت دول منطقة‬                                       ‫العربية أنه لطالما كان نموذج‬
   ‫الخليج العربي التي بدأت‬      ‫قبل الحداثة‪ .‬وفي هذا السياق‬         ‫النهضة الوحيد الذي تم‬
                                     ‫بالذات‪ ،‬فإن منح جائزة‬          ‫تطبيقه باستمرار في هذا‬
     ‫تظهر فيها الآن الأنواع‬                                        ‫السياق هو نموذج مصر‬
   ‫الروائية بقدر من التواتر‪،‬‬      ‫نوبل والتركيز اللاحق على‬        ‫نفسها‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن عملية‬
   ‫من الرجوع ليس فقط إلى‬         ‫أعمال معينة لنجيب محفوظ‬           ‫«النهضة» قد شملت فترة‬
                                                                  ‫الظلام المطلق تقريبًا (التي‬
      ‫التراث الغربي للرواية‬         ‫قبل عام ‪ ،1967‬في رأيي‪،‬‬       ‫تندرج عادة تحت المصطلح‬
    ‫لتطوير النماذج السردية‬        ‫أقل فائدة للأغراض الأدبية‬       ‫المهين‪« ،‬الانحطاط») خلال‬
   ‫التي تناسب أغراضها على‬       ‫والتاريخية‪ .‬وتم تأكيد الفكرة‬      ‫عصر ما قبل الحداثة (قبل‬
‫أفضل وجه‪ ،‬بل رجعت أي ًضا‬                                         ‫‪1800‬م؟)‪ ،‬مرو ًرا بالمواجهة‬
 ‫لأعمال نجيب محفوظ نفسه‬              ‫الأحادية الجانب القائلة‬      ‫المفاجئة مع الثقافة الغربية‬
    ‫وجميع الروائيين العرب‬        ‫بأن الرواية هي جنس أدبي‬        ‫في العصر الحديث عند قدوم‬
     ‫الآخرين الذين ساهموا‬       ‫«مستورد» في العالم العربي‪،‬‬
     ‫في بلوغ الرواية العربية‬
                                     ‫دون الإشارة إلى الجزء‬
      ‫مرحلة النضج الحالية‪.‬‬      ‫الآخر من الصورة ‪-‬أي دور‬
     ‫وتقدم المغرب مثا ًل على‬      ‫الأنواع السردية العربية في‬
    ‫نوع آخر من الاختلاف؛‬
   ‫حيث إنه‪ ،‬وبصرف النظر‬           ‫عصر ما قبل الحداثة‪ -‬من‬
   ‫تما ًما عن الأنماط المختلفة‬
   ‫للتأثير الاستعماري الذي‬
   295   296   297   298   299   300   301   302   303   304   305