Page 304 - m
P. 304

‫العـدد ‪60‬‬                             ‫‪302‬‬

                               ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬                         ‫النشر‪ .‬ومع اكتمال نشر‬
                                                                ‫الرواية‪ ،‬تم التوصل إلى حل‬
      ‫الذكر أن رواية «أولاد‬         ‫وإباحة قتله‪ .‬وليس هذا‬
     ‫حارتنا» تعد أي ًضا عم ًل‬       ‫المكان المناسب للخوض‬          ‫وسط‪ :‬لن يتم نشرها أب ًدا‬
    ‫محور ًّيا ضمن أي مسح‬            ‫في تفاصيل هذا الوضع‬         ‫في شكل كتاب داخل مصر‪.‬‬
‫شامل لأعمال «محفوظ»‪ .‬إلا‬       ‫المأساوي بالتفصيل‪ ،‬لكن من‬         ‫وقد تم احترام هذا الشرط‬
  ‫أنه من المسلم به أنها قد لا‬    ‫المهم الإشارة إلى أن الآثار‬     ‫حرفيًّا منذ ذلك الحين‪ ،‬على‬
‫تتلاءم بشكل جيد مع الإطار‬          ‫المترتبة على هذه الفتوى‬     ‫الرغم من نشر نسخة معدلة‬
 ‫التاريخي الأدبي الذي يصر‬       ‫على «محفوظ» كانت كبيرة‪.‬‬
 ‫على ربط أعماله بالاتجاهات‬     ‫أو ًل‪ ،‬باعتباره الحائز مؤخ ًرا‬      ‫من النص في بيروت عام‬
‫المبكرة في الرواية الأوروبية؛‬       ‫على جائزة نوبل وأديبًا‬      ‫‪ .)12(1967‬ولكن للأسف‪ ،‬لم‬
   ‫ولكن يمكن النظر إلى هذه‬      ‫بار ًزا غير غربي‪ُ ،‬سئل عن‬
 ‫الرواية المجازية‪ ،‬من منظور‬        ‫آرائه‪ ،‬فأجاب أنه يؤمن‬          ‫تنت ِه القصة عند هذا الحد‪.‬‬
  ‫أوسع وأقل هيمنة ثقافية‪،‬‬       ‫إيما ًنا راس ًخا بمبادئ حرية‬      ‫بعد منح «محفوظ» جائزة‬
 ‫على أنها تستدعي اهتمامات‬      ‫التعبير‪ .‬وكان ذلك الرد قبل‬          ‫نوبل للآداب عام ‪،1988‬‬
‫«محفوظ» المبكرة عندما كان‬         ‫أن ُتتاح لمحفوظ الفرصة‬        ‫فإن ما كان ينبغي أن تكون‬
   ‫طالبًا للدراسات العليا في‬        ‫لقراءة أجزاء من رواية‬       ‫اللحظة الكبرى لمحفوظ على‬
‫الفلسفة‪ ،‬وتتطلع إلى سلسلة‬      ‫«رشدي» بنفسه؛ ولقد أعلن‬          ‫الساحة العالمية قد تعرضت‬
  ‫كاملة من الأعمال اللاحقة‬     ‫لاح ًقا كراهيته لهذه الرواية‪.‬‬
   ‫التي تستحضر «الحارة»‬           ‫لقد كان يتحدث عما كان‬               ‫للخطر بصورة كبيرة‬
  ‫بغرض البحث عن الروابط‬        ‫بالنسبة له مسألة مبدأ‪ ،‬لكن‬           ‫بسبب ما بات منذ ذلك‬
     ‫بين المقدس والعلماني‪.‬‬       ‫ذلك كان كافيًا لأن يصدر‬         ‫الحين مواجهة رئيسية مع‬
                                ‫داعية مصري شهير ُيدعى‬            ‫القيم الثقافية؛ فلقد غضبت‬
       ‫عند محاولة استعادة‬           ‫عمر عبد الرحمن حك ًما‬            ‫مجموعة من المواطنين‬
  ‫أحداث فترة الستينيات من‬      ‫بالإعدام على محفوظ نفسه‪،‬‬         ‫الشيعة المتواجدين في مدينة‬
   ‫القرن الماضي‪ ،‬فإنها تبدو‬      ‫بزعم أن «رشدي» لم يكن‬          ‫برادفورد الإنجليزية غضبًا‬
   ‫واحدة من أحلك العصور‬         ‫أب ًدا ليكتب «آيات شيطانية»‬    ‫شدي ًدا بسبب مضمون رواية‬
                                ‫لو لم يكن محفوظ «قد مهد‬        ‫صدرت مؤخ ًرا بعنوان «آيات‬
    ‫في تاريخ مصر الحديث؛‬       ‫الطريق» لذلك بكتابته «أولاد‬         ‫شيطانية» للكاتب سلمان‬
   ‫بد ًءا من تفكك الجمهورية‬       ‫حارتنا»(‪ .)13‬لقد كان هذا‬     ‫رشدي‪ ،‬وهو مؤلف بريطاني‬
  ‫العربية المتحدة مع سوريا‬     ‫التسلسل المأساوي للأحداث‬          ‫من أصل هندي‪ ،‬متجاهلين‬
    ‫وسجن أعداد كبيرة من‬             ‫‪-‬الذي يوضح بطريقة‬             ‫هويتها الخيالية الواضحة‬
 ‫المثقفين اليساريين‪ ،‬وهيمنة‬       ‫غريبة التعريفات المختلفة‬        ‫وتوقعات القارئ المتطورة‬
  ‫الاتحاد الاشتراكي العربي‬       ‫للرواية (أو عدم وجودها)‬           ‫كثي ًرا‪ ،‬ثم أرسلوا نسخة‬
   ‫باعتباره الكيان السياسي‬        ‫ومبدأها الرئيسي المتمثل‬       ‫من النص أو ًل إلى باكستان‬
‫الأوحد‪ ،‬وممارسات البوليس‬         ‫في السخرية عبر الانقسام‬           ‫التي كانت ترأسها آنذاك‬
                                ‫الكبير بين التقاليد الثقافية‬       ‫بينظير بوتو‪ ،‬ومن هناك‬
      ‫السري المنتشر في كل‬       ‫والدينية‪ -‬هو الذي أدى إلى‬          ‫شقت الرواية طريقها إلى‬
     ‫مكان (كنت في القاهرة‬        ‫محاولة اغتيال محفوظ في‬           ‫إيران‪ .‬وبعدما علم الحاكم‬
     ‫عام ‪ 1966‬ويمكنني أن‬         ‫عام ‪ .1995‬وبغض النظر‬            ‫الأعلى لإيران آنذاك‪ ،‬الإمام‬
      ‫أشهد على هذا الأخير)‬        ‫عن كل هذا الجدل‪ ،‬يجدر‬         ‫ال ُخميني‪ ،‬بمضمون الرواية‪،‬‬
   ‫التي خلقت ج ًّوا من الشك‬                                      ‫أصدر فتواه الشهيرة التي‬
   ‫والخوف والاستياء‪ ،‬وكل‬                                        ‫تقضي بإهدار دم «رشدي»‬
‫هذه الأحداث أنتجت شعو ًرا‬
   299   300   301   302   303   304   305   306   307   308   309