Page 302 - m
P. 302
العـدد 60 300
ديسمبر ٢٠٢3 التقاط اللحظات التاريخية
والاتجاهات الاجتماعية
لإحداث تغيير اجتماعي ،بل «كلاسيكي» أصيل وبسيط.
تغيير عام وشامل أي ًضا. وأود أن أقترح عم ًل آخر والحركات الفكرية ضمن
وفي هذا السياق بالتحديد، لوحة واسعة سرعان ما
يصبح المدى الحقيقي مماثل ،وهو قصيدة «أنشودة أدرك قراؤها أنها حقيقية
المطر» للشاعر بدر شاكر
لحساسية محفوظ الجمالية تما ًما.
شديد الوضوح ،حيث السياب .وفي كلتا الحالتين، كانت التواريخ المفترضة
يتجاوز العمل الأدبي لنشر الأجزاء الثلاثة من
يبدو أنه كان ضمن أوائل
الأشخاص الذين أدركوا الاهتمامات المحلية بالزمان «الثلاثية» ،أعني عامي
أن التحولات السياسية والمكان ليصبح شيئًا أكثر 1956و ،1957جز ًءا من
والاجتماعية العميقة التي
نموذجية وشمو ًل. حقبة جديدة ومختلفة
كان يشهدها في أعقاب أما من منظور القرن الحادي تما ًما في حياة مصر ،وهي
ثورة يوليو 1952مباشرة الفترة التي شهدت صفقة
قد جعلت تجربته العظيمة والعشرين ،وبالأخص بعد الأسلحة التشيكية ،وغزو
حصول «محفوظ» على
في الواقعية الاجتماعية جائزة نوبل عام ،1988 السويس (أو ما ُيعرف
التي وظفها في روايات بالعدوان الثلاثي) ،وبناء
أصبحت «الثلاثية» ،التي
الأربعينيات وأوائل حظيت بإشادة كبيرة السد العالي في أسوان،
الخمسينيات من القرن في خطبة الإعلان عن ومؤتمر باندونج ،وبزوغ
العشرين ،وسيلة أدبية غير جمال عبد الناصر كزعيم
ف َّعالة بعد الآن لعكس عمق أسباب فوزه ،بمثابة إنجاز
عبقريته الخيالية .باختصار، «محفوظ» الأكثر تمي ًزا .فلقد جديد في العالم العربي.
كانت «الثلاثية» بأجزائها وبالفعل ،شهد العام التالي
الثلاثة ،بكل ما تحتويه من ُت ِّو َج المشوار الطويل من ( )1958قيام الجمهورية
وص ٍف تفصيلي للمجتمع على الترجمة والاقتباس والتقليد العربية المتحدة ،التي كانت،
مدار 30عا ًما وتكريسها من
أجل التطوير المستمر لمختلف والتوطين ،الذي بدأ مع على الرغم من المشكلات
جوانب تقنيات كتابة الرواية، أقدم أمثلة السرد العربي التي أدت إلى إنهائها عام
إلى حد كبير عم ًل انتقاليًّا الحديث في القرن التاسع ،1961أوضح تعبير ممكن
ضمن الإطار الكلي لأعمال عشر ،بعم ٍل أدبي يقدم دلي ًل عن الأحلام والتطلعات لقيام
محفوظ .ومن هنا ،إذا صح دام ًغا لا يقبل الجدل على وحدة عربية .في هذا السياق
التعبير ،ارتبطت «المشكلة» أن الرواية بوصفها نو ًعا المتحول ،لم تصبح «الثلاثية»
بالاهتمام الذي حظي به أدبيًّا ليست مجرد أداة ف َّعالة توثي ًقا لما تم تحقيقه فحسب،
العمل في إعلان جائزة نوبل لإحداث تغيير اجتماعي مؤثر بل أصبحت أي ًضا أوضح
في عام 1988بعد حوالي 30 فحسب -وهو الدليل الذي مثال ممكن على نوع الرواية
عا ًما من صدوره ،والارتباط سبق إثباته مرا ًرا وتكرا ًرا الذي يحقق غرضه العام
اللاحق لهذه الروايات الثلاث في أماكن أخرى وفي وقت
بالحداثة الروائية العربية في سابق -بل أصبحت أي ًضا بوصفه عاك ًسا للتغيير
عيون النقاد الأدبيين والقراء نو ًعا أدبيًّا متغلغ ًل بقوة ومداف ًعا عنه .ومثلها كمثل
الغربيين الذين تمكنوا من في التقليد الحديث للأدب القليل من الأعمال الأخرى
قراءة تلك الروايات في العربي .وهكذا ،يمكن القول في الأدب العربي الحديث،
إن فترة التدريب الطويلة قد أصبحت «الثلاثية» منذ ذلك
انتهت ،وبات بوسع الرواية
الآن البدء في أداء دورها الحين ُتعرف بأنها عمل
كعامل مؤثر ليس فقط