Page 46 - m
P. 46

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪44‬‬

                                                   ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

   ‫النظرة خارج الموطن «بنها»‪ ،‬إلى الوطن‪ ،‬والعالم‪،‬‬    ‫الرتينة نسيج حرارى‪ ،‬يلف على رأس تضخ منها‬
                                    ‫والإنسانية‪.‬‬      ‫الكيروسين‪ ،‬وحين تشعل الرتينة ينتشر الضوء‪.‬‬

    ‫قصص المجموعة ‪-‬من خلال تصميم الغلاف‪-‬‬                 ‫يشير العنوان إلى ما صارت إليه الرتينة‪ ،‬كأن‬
 ‫تؤكد على أنها تسبح في عالم ممتد‪ ،‬رحب‪ ،‬لا تحده‬          ‫الحكي يحاول الإمساك بما رشح في الذاكرة‪،‬‬
                                                       ‫محاولة رصد ما بين الحياة والفناء‪ ،‬بين ال ُغنا‬
   ‫حدود‪ ،‬لكنه معتم تتحرك فيه الشخصيات كأنها‬          ‫والأنين‪ .‬وبتعبير آخر‪ ،‬فإن هذا التحول في رؤية‬
  ‫أشباح‪ ،‬بينما تأتى صورة الكاتب أكثر وضو ًحا‪،‬‬       ‫الإنسان‪ ،‬له أثره في نظرته للعالم من حوله‪ ،‬العالم‬
                                                   ‫الرحب السابح في الضباب‪ ،‬توزا ًيا‪ ،‬أو تباينًا مع ما‬
                             ‫كأنها بقعة الضوء‪.‬‬     ‫تمثله عتامة الرؤية وانعكاسها على الحالة النفسية‪،‬‬
      ‫هل هي الرتينة حين امتد شعاعها‪ ،‬فانقشعت‬            ‫وقد يتحول الضباب إلى أغنية بالغة الحلاوة‪،‬‬
                                                    ‫فيصير النظر للعالم مسألة نسبية تتغير من حالة‬
                                        ‫العتمة؟‬
      ‫تتغلب ضيغة الماضي بتنوعاتها على الخطاب‬                                              ‫لأخرى‪.‬‬
       ‫السردى‪ ،‬يلجم صوت السارد العليم غالبية‬            ‫النزعة الصوفية المتغلغلة في النسيج السردى‬
   ‫الأصوات الأخرى‪ ،‬ومن ثم يفرض رؤيته‪ .‬رغم‬              ‫لقصص المجموعة‪ ،‬تبدأ إشارتها مع التصدير‪:‬‬
‫تنوع البنية السردية في مجموعة تضم أربع عشرة‬
                                                                                     ‫أفرغ حقائبك‬
                                  ‫قصة قصيرة‪.‬‬                              ‫وأعد أشياءك حيث كانت‬
  ‫لنبدأ من عناوين القصص‪ ،‬فهى دالة‪ ،‬أغلبها جاء‬
                                                                             ‫لديك متسع من الوقت‬
     ‫في كلمة أو كلمتين‪ ،‬أو جملة إسمية بداية من‪:‬‬            ‫تنفس يود البحر‪ ..‬واسبح فيه كيف شئت‬
      ‫قصر يحيطه الفراغ‪ ،‬نهاية المدى‪ ،‬مثل رتينة‬
   ‫كلوب قديمة‪ ،‬نتيجة حائط لعام ‪ ،81‬الخروج عن‬                                           ‫الماء ساكن‬
     ‫السطر‪ ،‬متحف الذكريات‪ ،‬قناع‪ ،‬بيرسترويكا‪،‬‬              ‫سوف تتكرر هذه العبارة النابضة بالمعانى‬
     ‫كرامات‪ ،‬استغاثة‪ ،‬ضباب شفيف‪ ..‬عين لاقطة‬             ‫الصوفية‪ ،‬يرددها السارد عن الشيخ‪ ،‬وكأنها‬
‫لحالات إنسانية تجسدها‪ ،‬نافضة عنها غبار الرتينة‬      ‫قسم طاعة المريد لشيخه‪ .‬نتذكر آخر رواية لحاتم‬
  ‫القديمة في محاولة لنفض غبار السنيين‪ ،‬فيزاحم‬            ‫رضوان «زاوية الشيخ»‪ ،‬تدور حول مفهوم‬
‫الماضى الحاضر‪ ،‬وفي أحيان كثيرة‪ ،‬يصير الحاضر‬        ‫الصوفية وتعرض لما يطرأ من صوفية شائهة‪ ،‬لكن‬
    ‫ص ًدى وإطا ًرا لهذا الماضى‪ .‬تبعث الشخصيات‪،‬‬     ‫الصوفية هنا رائقة لا شطط فيها‪ .‬يحللها ويتأملها‬
   ‫وتبث الروح في الأشياء والأماكن‪ ،‬وترتفع نغمة‬     ‫الكاتب عبر نظرة تتصف بالحيادية‪ ،‬تطل على وجه‬
 ‫النوستولوجيا الأسيانة‪ ،‬لتؤكد أن كل شيء تغير‪،‬‬
  ‫إلا ما قر في وجدان الشخصية‬                                         ‫يمثل الشفافية‪ ،‬وآخر مغموس‬
 ‫الذي يضعف أمام ما هو تراثي‪،‬‬                                           ‫في ما هو أقرب إلى الدروشة‬
                                                                        ‫الشعبية‪ ،‬تشوبها ملابسات‬
              ‫وخرافي وغرائبي‪.‬‬                                            ‫وممارسات تجعلها مخد ًرا‬
        ‫فعل التذكر يلامس حياة‬                                           ‫للوجدان وللوعى الإنساني‪.‬‬
      ‫الشخصيات سواء عجائز‪،‬‬
‫شباب‪ ،‬أطفال‪ ،‬يؤثر في مصائرها‬                                        ‫هل قصص حاتم رضوان تماثل‬
                                                                   ‫الرتينة القديمة‪ ،‬أو هي شعاع من‬
            ‫وعلاقتها بالآخرين‪.‬‬                                      ‫الضوء حاول الكاتب أن يقابسه‬
    ‫قمة الألم النفسي والجسدي‬
    ‫تمثله قصة «شارع جانبى»‪.‬‬                                                       ‫قبل أن ينطفىء؟‬
    ‫لا ندرك الألم إلا حنيما نفتقد‬                                     ‫تعددت الروافد التى تمد نسغ‬
  ‫السعادة الهاربة من بين أيدينا‪،‬‬
     ‫كما هربت من الطبيب الذي‬                                            ‫السرد بعصارة الحياة‪ ،‬مثل‬
 ‫انتهت علاقته بفتاته التي أحبها‪،‬‬                                   ‫التذكر والتأمل الفلسفي للأشياء‬

                                                                       ‫والأماكن والأحداث‪ ،‬وامتدت‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51