Page 48 - m
P. 48

‫العـدد ‪60‬‬   ‫‪46‬‬

                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢3‬‬

 ‫الهاربة من النافذة‪ ،‬لا صوت غير أم كلثوم تشدو‪،‬‬           ‫محفوظ)‪ ،‬من هذا المنطلق يرفض السارد‪ ،‬كل ما‬
‫الجو النفسي والايحاء بانعكاس الحالة النفسية‪ .‬ثم‬           ‫يدور حول هؤلاء الذين يعدهم العوام دراويش‪،‬‬
‫تلحق الوحدة السردية وحدة أخرى تعيدنا إلى بداية‬           ‫وتظل الذاكرة الشعبية تردد كراماتهم جي ًل بعد‬
                                                          ‫جيل‪ ،‬فيستحضر السارد رواية أخرى تؤكد أن‬
    ‫القصة «يدوي صوت انفجار اهتزت له السيارة‬               ‫الرجل إنسان عادي يموت غر ًقا‪ ،‬وينقل جسده‬
     ‫والأرض من تحتي»‪ ،‬نهاية القصة مشرعة على‬
   ‫فضاء سردي يوحى بأن السارد هو القتيل‪ ،‬من‬                    ‫المس َّجى إلى مكان آخر بعد أن هدم المسجد‪.‬‬
‫وقعت له الحادثة‪ ،‬القصة قريبة من أفلام هتشكوك‬                    ‫يهتم الكاتب بالتدين الشعبى‪ ،‬والمعتقدات‬
  ‫التي يشاع فيها الجو الكابوسي القاتم‪ ،‬ثمة تغيير‬
    ‫بين بيئة الإسكندرية‪ :‬الكورنيش والبحر‪ ،‬وبين‬        ‫والممارسات التي تغلغلت في نفوس المصريين‪ ،‬هو لا‬
   ‫البيئة القاحلة المفزعة‪ ،‬الصحراء المليئة بالغربان‪،‬‬    ‫يدينها بشكل منفر أو بطريقة تهكمية‪ ،‬أو يرفضها‬
‫هذا التغير في الحالة النفسية والوعي‪ ،‬يسري بحالة‬       ‫رف ًضا ساف ًرا‪ ،‬بل يقوض هذه الأفكار‪ ،‬وينسفها من‬
‫القلق داخل القصة‪ ،‬فإذا هدأت نفس السارد‪ ،‬توترت‬          ‫جذورها عبر السرد المضاد لتلك الأفكار في مشاهد‬
   ‫نفس المتلقي‪ ،‬ويظل مشهد الحادثة هاج ًسا يؤرق‬              ‫سريعة تؤكد على المعنى الدلالي المراد تأكيده‪.‬‬
                                                         ‫في قصة «القناع» يبحث السارد عن حب مفقود‪،‬‬
                                  ‫ذاكرة المتلقى‪.‬‬      ‫ظهر في لحظة ما ثم افترقا‪ ،‬ظلت تلك اللحظة تطارد‬
    ‫يعاود السرد الحديث عن فقدان حبيبة الطفولة‪،‬‬           ‫السارد منذ البداية‪ ،‬عبر لحظات متعددة‪ ،‬متغيرة‬
    ‫فرق الفقر بين الحبيبين‪ ،‬فكان نزوح الشاب إلى‬         ‫الزمان والمكان‪ ،‬لكنها تنسجم مع اللحظة النفسية‬
    ‫المدينة المزدحمة‪ ،‬خيم الحزن والألم على فراقها‪،‬‬       ‫التي حاصر السارد فيها نفسه‪ ،‬تطور الشخصة‬
    ‫يكتشف الشاب عالمًا جدي ًدا‪ ،‬وعلاقات متشابكة‪،‬‬         ‫يتلاءم مع التغيير الحادث في المكان والزمان‪ ،‬من‬
                                                      ‫هي هذه المرأة؟ من هي الجوهرة التى يبحث عنها؟‪،‬‬
                ‫تنشأ بين جيران المنطقة الشعبية‪.‬‬          ‫لقد جمعت كل نساء الأرض‪ :‬الأخيار والأشرار‪،‬‬
   ‫«لأول مرة منذ قدومه كانت نافذة غرفة السطح‬             ‫جمال امرأة طشقندية‪ ،‬نساء شارع سوهو‪ ،‬فتاة‬
‫المواجهة مواربة‪ ،‬تيمة القصة عالجها أكثر من مبدع‬           ‫صينية‪ ،‬أم هي امرأة شقراء تصارع الزمن ولا‬
   ‫بداية من محمود تيمور ومحمود كامل ومحمود‬                ‫تعترف به‪ ..‬لكنها ما زالت تمتلك جس ًدا متفج ًرا‬
 ‫البدوي وأمين يوسف غراب‪ ..‬إلا أن حاتم رضوان‬                ‫لفتاة في العشرين‪ .‬في الجزء الأخير من القصة‬
  ‫يعالج التيمة بما يتلاءم مع عنوان القصة‪ ،‬فالفتاة‬
  ‫التي يتابعها الشاب من نافذته‪ ،‬ما هي إلا كراكيب‬      ‫يستعيد السارد اللحظات الأيروتيكية والرومانتيكية‬
                                                      ‫الناعمة‪ ،‬وتلتحم النهاية بالبداية‪« :‬المسافة الشاسعة‬
      ‫مهملة في غرفة السطح‪ ،‬يصحو من حلمه على‬
    ‫هذه الحقيقة‪ ،‬وكأن حبه القديم سراب لا وجود‬                ‫بينكما تتسع كل يوم‪ ،‬وقلبك المفطور ما زال‬
   ‫له‪ ،‬وما بقى منه هو كراكيب احترقت في معترك‬             ‫بك ًرا‪ ،‬تحب النهار وتبكى بالليل‪ ،‬تبحث عن حياة‬
  ‫الحياة‪ ،‬مكان الحريق غرفة خزين مغلقة من زمن‬
 ‫«فيها شوية كراكيب»‪ ،‬آن الأوان للتخلص من هذه‬                                                ‫افتقدتها»‪.‬‬
‫الكراكيب واستقبال الحياة بنظرة أخرى‪ ،‬هكذا يعمد‬            ‫في قصة «استغماية» المبنية على وحدات سردية‬
    ‫الكاتب إلى النهايات المفتوحة في قصصه‪ ،‬فيتيح‬         ‫متنوعة تبدأ من مقاطع سردية كابوسية‪ ،‬يتخللها‬

              ‫للمتلقى إنتاج الدلالة‪ ،‬وإكمال المعنى‪.‬‬         ‫سرد عن شخصية واقعية‪ ،‬تعيش وتتنقل من‬
     ‫«الخروج على السطر» قصة بسيطة تتكىء على‬              ‫القاهرة إلي الإسكندرية‪ ،‬طلبًا للراحة‪ ،‬بعد قضاء‬
                                                         ‫ثلاثة أيام تعقد فيها الاجتماعات والمناقشات‪ ،‬في‬
       ‫ما هو حياتي‪ ،‬روتيني‪ ،‬غالبية المتلقين‪ ،‬نساء‬         ‫طريق العودة يتكرر المشهد الكابوسى «الحلم»‪،‬‬
    ‫أو رجال‪ ،‬يعانون الفتور والملل بعد سنوات من‬         ‫لكن كل شىء يختفى‪« ،‬لا أدرى كم مر من الوقت»‬
      ‫الزواج‪ ،‬والحياة الروتينية لموظف في مؤسسة‬
   ‫تعود على نظام روتيني بعينه‪ ،‬لم يحد عنه يو ًما‪،‬‬          ‫عبارة مرهصة‪ ،‬توحى بأن السارد ظل لمدة ما‬
   ‫«يو ّزه» الشيطان ‪-‬حسب التعبير الشائع‪ -‬فيغير‬            ‫فاق ًدا للوعي‪ ،‬أم أن الواقعة حدثت بالفعل‪ ،‬لدينا‬
                                                       ‫رموز الغربان السود‪ ،‬الصحراء‪ ،‬الرمال‪ ،‬الصحراء‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53