Page 49 - m
P. 49

‫‪47‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

‫محمود تيمور‬  ‫محمد عبد الحليم عبد الله‬                  ‫وقائع حياته‪ ،‬يخرج على السطر كما هو العنوان‪،‬‬
                                                     ‫يستخدم القاص التسجيل السينمائي لهذه الرحلة‪،‬‬
     ‫فمصدر السعادة هو مخزن الذكريات التعسة‬
      ‫والمؤلمة‪ ،‬مقابلة بالتعاطف الإنساني ممث ًل في‬       ‫في تتبع الشخصية‪ ،‬حيث الأماكن ترى بنظرة‬
‫مشاركة تدخين السيجارة‪ ،‬وسماع حكاياتهما «منذ‬           ‫جديدة‪ ،‬والتعرف إلى أماكن غريبة لم تطؤها قدمه‬
    ‫الطفولة والصبا الأول ومخاوفهما المتجددة من‬        ‫من قبل‪ ،‬يدخن السيجار‪ ،‬يدخل حانة قديمة لأول‬
                                                    ‫مرة‪ ،‬يتوقف أمام أماكن كان يعبرها من قبل‪ ،‬يقابل‬
                              ‫مستقبل غامض»‪.‬‬           ‫أنا ًسا تحاشى وجودها في حياته الآمنة والمسالمة‪،‬‬
‫مجموعة «رتينة كلوب قديمة» عنوان وقصة ضمن‬             ‫حياة جديدة تكسر الروتين اليومي لمدة يوم واحد‪،‬‬
                                                    ‫فيكتشف العالم من جديد وتنتعش ذكريات ظن أنها‬
      ‫هذه المجموعة‪ ،‬وفق القاص حاتم رضوان في‬
 ‫التقاطها حيث فردت ظلالها على قصص المجموعة‪،‬‬                                       ‫خبت بفعل الزمن‪.‬‬
                                                       ‫تدور بعض القصص في بنها مدينة الكاتب‪ ،‬رغم‬
     ‫وكأن القصص بقايا حيوات لبشر عاشوا على‬
              ‫إضاءة هذه الرتينة القديمة يو ًما ما‪.‬‬        ‫أنها لم تذكر صراحة‪ ،‬ثم ينتقل إلى الصحراء‪،‬‬
                                                       ‫فالإسكندرية‪ ،‬ويمعن الوقوف أمام ملامح وسط‬
 ‫التذكر هو سيد السرد في هذه المجموعة‪ ،‬لأن الهم‬
 ‫الرئيس هو الإمساك باللحظات الفائتة وتسجيلها‪،‬‬             ‫البلد بشوارعه‪ ،‬وميادينه ونواصيه‪ ،‬وبناياته‬
                                                          ‫الشهيرة‪ ،‬ومحاله ومكتباته وملامحه المكانية‬
       ‫لذا يندر وجود الحوار‪ ،‬بينما يوظف الكاتب‬       ‫المميزة‪ ،‬ومحلات الحلوى‪ ،‬والآيس كريم والمطاعم‪،‬‬
‫الوصف الدرامي لصالح الموقف‪ ،‬حيث يتم تجسيد‬               ‫وباعة الجرائد‪ ،‬والفنادق‪ ،‬بل ويسمع موسيقى‬
                                                      ‫وأغنيات عبد الوهاب‪« ،‬انسابت إلى أذنيه موسيقا‬
     ‫الشخصيات عبر الحضور الجسدى مضفو ًرا‬             ‫عبد الوهاب وصوته يشدو‪ :‬اللي راح‪ ..‬راح يا قلبى‬
‫بالملامح النفسية‪ ،‬تتعدد صيغ الأسئلة الاستنكارية‪،‬‬    ‫شكوتك لله‪ ..‬قسمتك جات كده‪ ،‬فالوجود الإنساني‬
                                                       ‫ما هو إلا مغامرة في هذه الحياة‪ ،‬تبدو محسوبة‬
   ‫والاستفهامية‪ ،‬بما يوحى بالقلق والشك وافتقاد‬           ‫لدى البعض‪ ،‬بينما يمارسها آخرون بجسارة‪.‬‬
                                        ‫الرؤية‪.‬‬     ‫الإنسان في هذه القصة محكوم بضوابط‪ ،‬لعل أهمها‬
                                                         ‫الالتزام بالأسرة‪ ،‬ونظرة الآخرين للمرء‪ ،‬وأثر‬
    ‫تتأثر الشخصية بالأحلام والأوهام التي تصل‬               ‫أفعاله على الآخرين‪ ،‬وضغوط المجتمع عليه‪.‬‬
   ‫حد الكوابيس‪ ،‬تصوير المشهدية البصرية‪« ،‬كان‬          ‫يوسع القاص من فضاء أحداث قصصه في قصة‬
‫محشو ًرا وسط عدد غفير من رجال ونساء‪ ،‬يتحرك‬             ‫«بيرسترويكا»‪ ،‬حكى عن امرأتين روسيتين‪ ،‬من‬
                                                        ‫ضحايا البيرسترويكا» استعادة زمن الأحداث‪،‬‬
                                                     ‫شاهدنا هذه الفترة العصيبة على الشعب الروسى‪،‬‬
                                                           ‫في الوقت ذاته يتابع السارد امرأتين أشاعتا‬
                                                     ‫البهجة على الجميع‪ ،‬لاعبتان على السيقان الخشبية‬
                                                       ‫الطويلة‪ ،‬يعيد السارد الأحداث التي مرت بعد أن‬
                                                    ‫التقط صورتين معهما‪ ،‬حيث يهيئ لاستعادة وقائع‬
                                                      ‫تاريخية حدثت في أوائل تسعينيات القرن الفائت‪،‬‬
                                                    ‫الحكى يأتي على لسان السارد‪ ،‬تم اختصار الحكاية‬
                                                        ‫التي تروى تفاصيل مؤلمة عاشتها المرأتان‪ ،‬هنا‬
                                                      ‫تحدث المفارقة‪ ،‬حيث يلتقى الماضى مع الحاضر‪،‬‬
                                                     ‫بينما يظل المستقبل مجهو ًل وغام ًضا‪ ،‬لندرك مدى‬
                                                          ‫الفداحة والمعاناة التى لحقت بهؤلاء البسطاء‪،‬‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54