Page 53 - m
P. 53

‫‪51‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

‫بمفارقة؛ بل مقابلة دالة بين الزمان من جهة‪ ،‬والمكان‬         ‫محمود درويش‬
     ‫من جهة أخرى‪ ،‬أو قل بمعني آخر‪ :‬إنه يستهلها‬
     ‫بالجدلية (الزمكانية) ووشائج الطبيعة‪ ،‬بطيرها‪،‬‬
       ‫وحيوانها‪ ،‬وإنسانها‪ ،‬وقد صدر ذلك بالظرفية‬

 ‫(الزمكانية) المركبة (خارج الطقس)‪ ،‬إذ تشير اللفظة‬
      ‫الأولى (خارج) إلى بعد‪ ،‬أو حيز مكاني متباعد‪،‬‬

    ‫وتشير اللفظة الأخرى (الطقس) إلى بعد مشارك‬
 ‫بين الزمان بع ِّده طق ًسا منو ًطا بزمن‪ ،‬وموق ًعا منو ًطا‬
  ‫بمكان‪ ،‬والشجرة بينهما تتهادى؛ لتعمق الإحساس‬

   ‫ببدايتها الناهضة‪ ،‬إذ إنها خارج الطقس‪ ،‬أي خارج‬
   ‫الناموس الكوني الجغرافي (زما ًنا ومكا ًنا)‪ ،‬بيد أنه‬
 ‫في الشطر الثاني يعود ليوثق لنا ذلك الخروج غير‬
  ‫المألوف؛ ليعيده‪ ،‬بل ليعيدها (أي الشجرة) مرة‬
 ‫أخرى إلى داخل الحيز الطبيعي (أو داخل الغابة‬
    ‫الواسعة)‪ ،‬وكأنه هنا يضع تخيي ًرا للمتلقى‪،‬‬
   ‫وإن كان بعد ذلك سيحمله للعصافير‪ ،‬فبين‬
   ‫الخارج اللامتناهي‪ ،‬أو غير المألوف تتعمق‬
   ‫علاقة الشاعر بالشجرة‪ ،‬بل بالمكان جمل ًة‬
 ‫وتفصي ًل‪ ،‬ولك أن تتخيل المقابلة المتجاذبة‪،‬‬

     ‫بين خارج وداخل من جهة‪ ،‬والطقس‬
  ‫والغابة الواسعة من جهة أخرى‪ ،‬وكأنه‬

       ‫هنا يشير إلى التيه المحتوم (زما ًنا‬
               ‫ومكا ًنا)‪ ،‬على حد سواء‪.‬‬

     ‫غير أن الشاعر محمود درويش في‬
‫السطر الثالث الشعري من قصيدته تلك‪،‬‬
‫يعيدنا إلى الجغرافيا المكانية والزمانية‪ ،‬إذ‬
 ‫يحدد ذلك التخيير ‪-‬المقر سل ًفا‪ -‬ويجليه‬

   ‫في صيغة (وطني) بلفظتها تلك‪ ،‬ودلالة‬
‫ملكيته له أو لها‪ ،‬وكأنه يشير إلى حالة التيه‬
 ‫التي يعيشها وطنه بين الخارج والداخل‪ ،‬أو‬

  ‫بين غير المألوف (العجائبي)‪ ،‬والمتسع أو‬
‫الواسع المكاني المألوف‪ ،‬تؤكد ذلك صيغة‬

   ‫الخروج بالطقس‪ ،‬والاتساع بالغابة‪،‬‬
            ‫وليس بستا ًنا أو حديقة‪.‬‬

    ‫إن صيغة (وطني) بدلالتها‪ ،‬أو‬
‫ملكيتها تلك‪ ،‬تعنى امتلاك الوطن‬
 ‫وتملكه حتى وإن طفق‪ ،‬فخرج‬
‫عن الطوق‪ ،‬أو الطقس على حد‬
  ‫تعبيره‪ ،‬وإن دخل في غابة‬
   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58