Page 55 - m
P. 55
53 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
هذه المرة بين (جسد ..أو ثمرة؟) ،نعم تحول الشاعر المنوطة بالاخضرار والطول والامتداد ،فض ًل
من الوطن والسفر بوصفهما المقر والترحال ،إلى عن إيحاءاته المسرة ،وما يشاع به وفيه من سير
الحب والعشق والغرام ،إنه هنا يستجمع الفصلين
الجسد ،بع ِّده مأمنًا لتلك الغزالة؛ إذ نجد فيها الأنس بلوازمهما؛ ليقيم مفارقة تنطوي على الاحتواء أو
والألفة ،أو (الثمرة) ،أي فيها المطعم ،وما الجسد هنا الامتلاك (زمني) ،فإذا كانت الشجرة قد امتلكت
المكان (وطني) في المشهد الأول؛ فإنها هنا تمتلك
إلا وسيلة لحماية الغزالة وتأمينها ،والثمر ليس إلا
طع ًما لها ،ومع كل هذا التخيير ،فإنها دون شك تتيقن الزمان (خري ًفا وربي ًعا)؛ لتحتوي زمنيهما م ًعا
الانتظار (إ َّننى أنتظر) ،بل تؤكده ،مقرة بأن التخيير، (زمني) ،إذ تتحمل هذا ،وتنتعش بذاك ،ودال الترتيب
أو حتى لازمه ،سيكون لصالحها (أي الشجرة) هنا يؤكد تلك الرؤية الرافدة ويعمقها.
كوطن جامع ،فيه الأمن والأمان والشراب والطعام. على أن الشاعر محمود درويش هنا ينتقل عبر
الشجرة تلك من عالم الطير إلى عالم الحيوان ،حيث
ثال ًثا :الشجرة الشرفة والقمر يذهب بتساؤلها تلك المرة إلى حيوان أليف عالم
(الغزلان) ،حيث تبادره متسائلة (هل تحس الغزالة
إن محمود درويش في المشهد الأول ينطلق من أ ِّنى ..لها؟!) ،وكما وضع التساؤل الأول لمواجهة
الوطن (وطني) عبر المكان ،فيمتلكه ،ويخير غيره طائر أليف تحتويه الطبيعة ،وضع التساؤل هنا
(العصافير) لامتلاكه ،وفى المشهد الثانى ينطلق لغزالة ،أي حيوان أكثر ألفة وجما ًل ،وكأنه هنا يبين
من الزمان (زمني) فيمتلكه ،ويخير غيره (الغزالة) عن مكونات ،بل مقومات وطنه ،الذي يحمل الجمال
لامتلاكه ،وهنا عبر ذلك المشهد الثالث ينطلق إلى والبراءة والأمان والسكينة والألفة ،تمثلها العصافير
البدن ،على لسان الشجرة ذاتها ،لكنه يذهب به أو ًل ،والغزالة ثانيًا.
وبها عبر الليل (في المساء الذي يتنزه بين العيون)؛ ولأن الشاعر محمود درويش يقيم جدلية متراتبة
ليشخص المتن َّزه ،وهو ذلك المساء ،لا لشيء زهيد، بين الداخل والخارج مرة ،والطقس والطبيعة مرة
وإنما لانتظار شيء سام وفاعل ،خاصة وأنه لزم ثانية ،والوطن والسفر مرة ثالثة؛ فإنه يعيد تكرير
العيون ،والعيون بالليل ،أو بالمساء لها دلالة البصيرة، تلك الجدلية بين الأنا والآخر ،كما سطرها في المشهد
الأول ،وقد جاءت هنا بصيغة مشابهة ،بل مكرورة
قبل البصر ،إذ تنير ذلك المساء عبر ألوان ثلاثة (أ ِّني ..لها) بين المتكلم (الشجرة) والغائب (الغزالة)،
(أزر ًقا ،أخض ًرا ،أو ذهب) ،وبين الزرقة والخضرة
ليعيد سيرة التخيير مرة أخرى ،ولكن