Page 59 - m
P. 59

‫‪57‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫«رغبات»‪ ،‬وكأنه مدخل إلى المجموعة‪ ،‬وهو ملتحم‬              ‫دلالات العنوان‪ :‬نوافذ للبحر‬
  ‫بالإهداء‪ ،‬وتعبر فيه الكاتبة عن رغبتها في ألا تقام‬
‫لها مراسم التأبين بعد موتها‪ ،‬وتوصي أحبتها‪« :‬كل‬             ‫وعنوان المجموعة هو «للبحر نوافذ»‪ ،‬والنافذة‬
‫ما أريده منكم أن تقرؤوا كتبي‪ ،‬وتكتبوا عنها‪ ،‬فلعل‬         ‫هي فتحة في جدار يمكن من خلالها الإطلا ُل على‬
   ‫فيها ما يغفر لي»‪ ،‬والنص يعبر عن شعور ديني‪،‬‬          ‫العالم والنفاذ إليه والتواصل معه ومعرفته‪ ،‬ولذلك‬

    ‫وإحساس بأن الحياة مجرد إثم‪ ،‬وأن في الكتابة‬              ‫ُسميت نافذة‪ ،‬أي إن البصر ينفذ من خلالها‪،‬‬
   ‫ما يغفر ذلك الإثم‪ ،‬وتتمنى بصورة غير مباشرة‬          ‫ويرى‪ ،‬وحين يرى البصر تتحقق المعرفة‪ ،‬وتتحقق‬
 ‫الرغبة في الخلود‪ ،‬وهذه هي رغبة أكثر الأدباء‪ ،‬ولا‬
  ‫سيما الذين لم يح َظوا بما يظنون أنهم يستحقونه‬          ‫الحرية‪ ،‬والخروج من بين الجدران‪ ،‬فالنافذة هي‬
‫في حياتهم‪ ،‬ويتمنون أن يحظوا بالتقدير بعد الوفاة‪،‬‬        ‫انفتاح على العالم ومعرفة وتواصل‪ .‬وفي المجموعة‬
 ‫وهذا شأن معظم الأدباء العرب لأن مجتمعاتهم لا‬
   ‫تقدر الأديب في حياته‪ ،‬وبصورة عامة يطمح كل‬             ‫قصيدة نثرية طويلة بعنوان «بحر»‪ ،‬وهي تتعلق‬
 ‫إنسان إلى تخليد اسمه‪ ،‬بولد يرثه‪ ،‬أو علم ينفع به‬      ‫بالبحر‪ ،‬وفي المجموعة أي ًضا مجموعة ومضات تحت‬

                      ‫الناس‪ ،‬أو أثر صالح يتركه‪.‬‬          ‫عنوان «نوافذ»‪ ،‬مستوحاة من الواقع الاجتماعي‪،‬‬
‫ونص «رغبات» يعبر عن دافعين‪ ،‬دافع الموت ودافع‬           ‫ولاسيما ما يتعلق بشقاء الأطفال وتشردهم‪ ،‬وقهر‬
                                                       ‫المرأة وحرمانها‪ .‬ويوحي عنوان المجموعة أن المواد‬
    ‫الحياة‪ ،‬أما دافع الموت فيتمثل في انتظار الكاتبة‬     ‫المكتوبة هي محاولة للولوج ع ْب َر نوافذ متعددة إلى‬
     ‫الموت‪ ،‬وهي تتوقعه‪ ،‬أما دافع الحياة فيتمثل في‬
‫رجائها بأن تظل تحيا في كتبها‪ ،‬وفي الناس يقرؤون‬           ‫البحر‪ ،‬وهذه النوافذ يمتلكها البحر‪ ،‬بدليل وجود‬
 ‫كتبها‪ ،‬ويكتبون عنها‪ ،‬وهذا هو الخلود الذي يتطلع‬          ‫لام التملك‪« :‬للبحر»‪ ،‬وفي العنوان إيحاء وجاذبية‬

                              ‫إليه معظم الكتاب‪.‬‬                                             ‫وتشويق‪.‬‬
   ‫ويلي الإهداء‪ ،‬وما سميناه مدخ ًل أربعة نصوص‬
  ‫طويلة‪ ،‬تتوهج فيها العاطفة‪ ،‬وتتألق فيها الصور‪،‬‬                 ‫محتويات المجموعة‬

       ‫ولكنها نصوص واضحة‪ ،‬تعالج موضوعات‬                 ‫وليس للمجموعة قائمة بالمحتويات‪ ،‬وهي تتضمن‬
   ‫محددة‪ ،‬هي الوطن‪ ،‬ومشكلة الحرب والدمار‪ ،‬في‬           ‫أربعة نصوص أساسية‪ ،‬يتصدرها إهداء‪( ،‬ص‪-5‬‬
  ‫النص الأول‪ ،‬وعنوانه «أربيسك وطني»‪ ،‬ومشكلة‬            ‫‪ ،)6‬ونص قصير بعنوان رغبات في صفحة واحدة‬
   ‫الحب في النص الثاني‪ ،‬وعنوانه «حب»‪ ،‬والشوق‬
  ‫إلى البحر والبلد في النص الثالث‪ ،‬وعنوانه «بحر»‪،‬‬           ‫(ص‪ ،)7‬ونص مطول بعنوان أربيسك وطني‬
‫ويمكن تصنيف النصوص الثلاثة الأولى في قصيدة‬              ‫(ص‪ )63 -8‬ويتألف من ‪ 71‬وحدة‪ ،‬ونص مطول‬

     ‫النثر‪ ،‬ولكنها طويلة ج ًّدا‪ ،‬ومن المعتاد أن تكون‬       ‫بعنوان «حب» (ص‪ )115 – 64‬ويتألف من ‪78‬‬
                           ‫قصيدة النثر قصيرة‪.‬‬         ‫وحدة‪ ،‬ونص مطول بعنوان «بحر» (ص‪)130 -116‬‬

   ‫أما النص الرابع‪ ،‬فهو مجموعة ومضات شعرية‪،‬‬               ‫ويتضمن ‪ 20‬وحدة‪ ،‬ونص مطول أخير بعنوان‬
     ‫تحمل أرقا ًما متسلسلة‪ ،‬تبلغ الأربعين‪ ،‬قوامها‬          ‫«نوافذ» (ص‪ )147 –131‬ويتضمن ‪ 40‬وحدة‪،‬‬
                                                           ‫والوحدات في كل نص تحمل أرقا ًما متسلسلة‪،‬‬
   ‫التأمل في مشاهد جزئية في المجتمع وفي الطبيعة‪،‬‬                              ‫وليس لها عناوين جزئية‪.‬‬
      ‫بقدر عا ٍل من رهافة الحس‪ ،‬والمعاناة الفردية‬
                                                        ‫والإهداء قصيدة نثر بعنوان‪« :‬شجيرة آس»‪ ،‬وهو‬
    ‫والاجتماعية‪ ،‬والتأمل الحسي الجمالي في بعض‬           ‫إلى ابن الكاتبة إياد هشام طهماز‪ ،‬والقصيدة رثاء‬
  ‫الأحيان‪ ،‬ويغلب عليها الوصف‪ ،‬ويكاد يغيب عنها‬           ‫له‪ ،‬وفيها تعبر عن حزنها وألمها‪ ،‬وتصور شجيرة‬
                                                         ‫آس تنمو فوق قبره‪ ،‬ثم تنبئه أن اجتماعها به لم‬
     ‫الإدهاش‪ ،‬وتعتمد على الإيجاز‪ ،‬فهي لا تزيد في‬       ‫يعد بعي ًدا‪ ،‬والنص ينضح بمشاعر الأمومة‪ ،‬ويعبر‬
    ‫أكثر الأحيان عن أربعة أسطر‪ ،‬في أقل من عشر‬
     ‫كلمات‪ ،‬إلا ما ندر‪ ،‬وهي أشبه بقصائد الهايكو‬                                         ‫عن لوعة وألم‪.‬‬
                                                        ‫ويلي الإهداء نص قصير في صفحة واحدة عنوانه‬
   54   55   56   57   58   59   60   61   62   63   64