Page 47 - m
P. 47

‫‪45‬‬              ‫إبداع ومبدعون‬

                ‫رؤى نقدية‬

                                                                   ‫وفي محاولة منه لنسيانه‪،‬‬

                                                                   ‫أو لتحقيق الذات‪ ،‬يسافر‪،‬‬

                                                                   ‫يك ِّون أسرة‪ ،‬وينجب‪ ،‬لكن‬
                                                                   ‫تظل لحظات الدفء والمحبة‬

                                                                   ‫مشتعلة في ذهنه‪ ،‬تستدعيها‬

                                                                   ‫ذاكرته‪ .‬تتكرر هذه الثيمة‬

                                                                   ‫في أكثر من قصة‪ ،‬الماضي‬

                                                                   ‫يعود طاز ًجا حيًّا ناز ًفا‬
                                                                   ‫للألم ولوعة الفراق‪ .‬منذ‬

                                                                   ‫البداية يحلق القلق‪ ،‬حيث‬

                                                                   ‫يعيش فى جو منعزل‪ ،‬في‬

                                                                   ‫عيادة أو في مركز طبى‬

                                                                   ‫في أعماق الريف‪ ،‬يزيد من‬

                                                                   ‫هذا القلق صوت التليفون‬

                                                                   ‫معلنًا عن استقبال مكالمة‬
                                                                   ‫خارجية‪ ،‬قبل أن يتخلص‬
‫أمين يوسف غراب‬  ‫حاتم رضوان‬                          ‫ألفريد هتشكوك‬      ‫الإنسان ‪-‬بالتليفون‬

                                                                   ‫المحمول‪ -‬من عذاب انتظار‬

‫« ُهيِّىء لي أنه يريد أن أبوح لي بشىء‪ ،‬ينطق بكلمات‬  ‫الترنك‪ .‬يأتى صوت المحبوبة التي تستنجد ‪-‬في‬
‫تقف على طرف لسانه‪ ،‬يسدى لي بنصيحة ما‪ ،‬لكنه‬
                                                    ‫الحقيقة‪ -‬بحبيبها الطبيب‪ ،‬ليطمئنها على حالتها‪،‬‬
    ‫كان يتركني ويمضي في صمت يلفه الغموض»‪.‬‬
  ‫الرجل ليس دروي ًشا تقليد ًيا كما في قصص سعد‬       ‫تستدفئ بصوته من برودة المرض الزاحفة على‬

    ‫مكاوي‪ ،‬أو يوسف إدريس‪ ،‬أو أحمد الشيخ‪ ،‬أو‬         ‫جسدها‪ ،‬بزعم أنها تسأله عن حالة صديقة لها‪،‬‬
 ‫الداخلي طه‪ ،‬أو عبد الفتاح رزق‪ ،‬هو رجل عصري‪،‬‬
                                                    ‫حاكت صوت الحبيبة في تماسكه‪ ،‬بينما المرض‬
       ‫يعيش معطيات الواقع‪ ،‬ويتعامل مع وسائل‬
    ‫التواصل والسوشيال ميديا‪« ،‬تظهر لي صورته‬         ‫ينهش في جسدها‪ ،‬وحالتها ميؤس منها‪ ،‬هى شهور‬
 ‫وسط صور أخرى كثيرة‪ ،‬ضمها شريط لصفحات‬
    ‫أناس قد نعرفهم‪ ،‬استطلعت صفحته‪ ،‬كان بيننا‬        ‫محدودة تقضيها في هذه الدنيا‪ ،‬حضور الشخصية‬
  ‫فئات من الأصدقاء المشتركين»‪ ،‬نتعرف أكثر على‬
    ‫الشخصية‪ ،‬وفكرها المستنير‪ ،‬فصفحته امتلأت‬         ‫من الماضى يمثل نو ًعا من طلب الرحمة‪ ،‬والصفح‬
 ‫بمناظر طبيعية لزهور وأشجار وبحيرات‪ ،‬تتخللها‬        ‫عما سببته للسارد‪ ،‬اللقطات الفلاشية‪ ،‬والحركة‬
  ‫آيات قرآنية وأحاديث نبوية وإصحاحات وأسفار‬
  ‫ومزامير وحكم لكونفوشيوس وغاندى‪ ،‬وجدتني‬            ‫الإيقاعية المتسارعة فى البداية‪ ،‬ثم تباطؤ حركة‬
 ‫‪-‬دون إرادة مني‪ -‬أطمح لطلب صداقة‪ ،‬فالسارد‪/‬‬
     ‫الكاتب يرى أن الرجل ليس دروي ًشا‪ ،‬بل محبًّا‬    ‫السرد لتبين حالة المرأة‪ ،‬ووصف أعراض المرض‪،‬‬
    ‫للحياة والجمال‪ ،‬هذا هو درويش العصر‪ ،‬الذي‬
‫يجب أن ينال ثقة السارد فيطلب صداقته (ونستعيد‬        ‫ومحاولة تماسك الطبيب الذي يدرك أن محبوبته‬
   ‫شخصية الشيخ عبد ربه التائه في سردية نجيب‬
                                                    ‫سترحل قريبًا‪( ،‬ولعلنا نتذكر رومانسيات حسين‬
                                                     ‫عفيف ويوسف السباعي وعبد الحليم عبد الله)‪،‬‬

                                                    ‫هذه القصة الرومانسية تبدأ بالتداعى لما قبل السرد‬

                                                    ‫القصصى ماضية في خطها الصاعد إلى النهاية‬

                                                    ‫الفاجعة التي لم يتحدث عنها السارد‪ ،‬بل ترك‬

                                                                   ‫للمتلقى تصورها‪ ،‬واستحضارها‪.‬‬

                                                                   ‫من منا لم يقابل شخصية المجبراتي؟‬

                                                    ‫إنه في قصة «مثل رتينة كلوب قديمة» درويش له‬

                                                    ‫كرامات‪ ،‬يمثل للسارد القطب والمرشد إلى الطريق‪،‬‬
   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52