Page 274 - merit 48
P. 274

‫السبب الذي جعلك تهتم بهذا‬                                       ‫العـدد ‪48‬‬                         ‫‪272‬‬
   ‫الموضوع؟ كيف بدأ الأمر‬
             ‫وكيف تطور؟‬                                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬       ‫بين الشمال والجنوب؟‬

    ‫بدأ الأمر في سن الشباب وأنا‬                 ‫عبد الرحمن الأبنودي‬                       ‫في تصوري الخاص لا توجد الآن‬
     ‫أتأمل تناقضات الواقع الذي‬                                                             ‫أي ملام َح خاصة بالإبداع ترتبط‬
   ‫أعيشه‪ ،‬وهي تأملات نتجت عن‬              ‫التأكيد على أنني عندما أتحدث‬                      ‫بالبيئة‪ ،‬بسبب وسائل الاتصال‬
     ‫قراءا ٍت أدبية في المقام الأول‪،‬‬     ‫عن كاتب أو مبدع فإنني أعني‬
 ‫لكنها بالتراكم تحولت إلى قراءا ٍت‬    ‫(الكاتب) أو (المبدع) وليس كل َمن‬                        ‫والتواصل التي محت الفروق‬
 ‫ثقافية بدأت مع كتاب «في الشعر‬          ‫يمارس الكتابة وهؤلاء بالآلاف‪.‬‬                      ‫والخصائص‪ ،‬وجعلت العالم كله‬
       ‫الجاهلي» لطه حسين‪ ،‬حتى‬
     ‫َشغلني سؤالان‪ ،‬كيف يتقدم‬             ‫أدعي أنني أقرأ المسكوت‬                             ‫يفكر بطريق ٍة واحدة‪ ،‬ويتعامل‬
‫الكفار المشركون علميًّا ومعرفيًّا في‬   ‫عنه في مقالاتك التي تتناول‬                            ‫مع أزما ٍت مجتمعية متشابهة‪،‬‬
  ‫الوقت الذي يتأخر فيه المؤمنون‬        ‫الخطاب الديني‪ ،‬وهو كثير‪..‬‬                             ‫ربما تجد الفروق والخصائص‬
  ‫بالله؟ وكيف يمكن أن يخلق الله‬                                                            ‫في بعض مجالات الأدب الشعبي‬
  ‫الجن والإنس فقط ليعبدوه دون‬            ‫دعني أتعرف ‪-‬أو ًل‪ -‬على‬                                ‫التي لا تزال محتفظة ببعض‬
     ‫أن يمارسوا فع ًل آخر؟! وما‬                                                            ‫سماتها وملامحها البيئية‪ ،‬لكنها‬
    ‫بين السؤالين رحلة طويلة من‬                                                             ‫لن تستمر طوي ًل‪ ،‬ليس لأصالتها‬
‫الإبحار في كتب المهتمين بالظاهرة‬                                                            ‫ولا لقدرتها على الصمود‪ ،‬ولكن‬
       ‫القرآنية‪ ،‬والخطاب الديني‪،‬‬                                                            ‫لأن معظم ممارسي هذه الفنون‬
  ‫لأستيقظ بعد سنوا ٍت طويلة على‬
‫الكارثة التي يعيشها العقل العربي‬                                                               ‫الشعبية ليسوا مبدعين‪ ،‬هم‬
   ‫المسلم‪ ،‬وهي كارثة افتقاره إلى‬                                                          ‫مقلِّدون يعيدون إنتاج ما سبقهم‪..‬‬
  ‫الحد الأدنى من الوعي‪ ،‬وتسليم‬                                                             ‫هناك تصورات مثالية رومانسية‬
       ‫قيا ِده إلى السلطتين الدينية‬
     ‫والسياسية‪ ..‬ما اضطررني‬                                                                   ‫عن الجنوب وعن الإبداع فيه‪،‬‬
    ‫إلى إعادة قراءة كتب التاريخ‬                                                           ‫تصورات فلكلورية تتصور ال َج َّدة‬
    ‫الإسلامي مرة أخرى بهدوء‬
‫وروية‪ ،‬مستعينًا في ذلك بقراءات‬                                                                  ‫في الجنوب شاعرة‪ ،‬والطف َل‬
                                                                                              ‫الجالس تحت نخلته مشرو َع‬
       ‫حديثة ومعاصرة لرموز‬                                                                  ‫روائي‪ ..‬وما إلى ذلك من ترها ٍت‬
    ‫الفكر الديني النقدي العربي‬                                                            ‫غير حقيقية َتسبب فيها أمل دنقل‬
‫والمصري‪ ،‬لأنتهي حتى الآن إلى‬                                                              ‫والأبنودي وعبد الرحيم منصور‪،‬‬
  ‫أنه لا حل لأزمة العقل العربي‬                                                            ‫لكن الحقيقة أن الجنوب كالشمال‬
   ‫إلا بالتخلص من النوستالجيا‬                                                              ‫تما ًما‪ ،‬وأزمة الإبداع التي تعاني‬
  ‫الحاكمة لمشاعرنا تجاه التراث‬                                                              ‫منها مصر يعاني منها الجنوب‪،‬‬
 ‫الذي يجب التخلص منه بإنتاج‬                                                               ‫ربما بكثرة‪ ،‬بسبب ندرة الخدمات‬
‫معرفة علمية به تقوم على إدراك‬                                                                  ‫الثقافية وقلة دوائر الإعلام‪،‬‬
‫خصائصه وسماته المميزة له في‬                                                                ‫والحقيقة التي يمكن أن تقال هنا‬
                                                                                              ‫إن الأبنودي ودنقل ومنصور‬
                                                                                           ‫َتسببوا في نسج وأسطرة أحلام‬
                                                                                           ‫الجنوبيين أنفسهم الذين لا يزال‬
                                                                                             ‫بعضهم يتصور إمكانية تكرار‬

                                                                                                                ‫نماذجهم!‬
                                                                                            ‫كل كات ٍب وكل مبد ٍع في الجنوب‬
                                                                                          ‫يشكل حال ًة ثقافية خاصة به‪ ،‬مع‬
   269   270   271   272   273   274   275   276   277   278   279