Page 278 - merit 48
P. 278

‫العـدد ‪48‬‬                            ‫‪276‬‬

                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢2‬‬

                        ‫(بيان)‪.‬‬          ‫المثقل بالتكلف‪ ،‬مهما يكن سبب‬               ‫ولو أننا رأينا ر َّبا ًعا (ممن‬
             ‫وكذلك قول (نزار)‪:‬‬             ‫التكلف‪ ،‬ولكن بع ًضا منهم قد‬        ‫يمارسون رياضة حمل الأثقال)‬
   ‫قرأت شعري عليها وهي نائمة‬
‫فلم تبال بـ(تجريدي) ولا صوري‬          ‫يستمتعون ببعض منه‪ ،‬إذا رأوا أن‬            ‫وهو يرفع أثقاله وقد بدا عليه‬
‫فكلمة (تجريد) هنا في رأيي ليست‬        ‫تمكنهم من فهمه دا ٌّل على فطنتهم‪.‬‬       ‫التجهم‪ ،‬وبرزت عروقه‪ ،‬وارتفع‬
            ‫أكثر الكلمات ملاءمة‪.‬‬
‫وخ َّطأ (الجرجاني) كلمة (الإيباء)‬       ‫وفيما يلي أتناول التكلف والطبع‬           ‫صوت لهاثه لما يحس به من‬
            ‫في بيت (أبي نواس)‪:‬‬        ‫على مستويين‪ :‬المفردات والتراكيب‪،‬‬        ‫المشقة‪ ،‬ثم رأينا ر َّبا ًعا آخر وهو‬
   ‫فلما خشي (الإيباء) من صحب‬          ‫وأحسب أن الموضوعية في الحديث‬             ‫يرفع أثقا ًل مماثلة‪ ،‬فلم ن َر عليه‬

                       ‫وجلا ِس‬              ‫عنهما أقرب من الموضوعية‬               ‫مثل ذلك‪ ،‬بل ظهر متماس ًكا‬
‫لأن الصيغة الصحيحة هي (إباء)‪.‬‬              ‫في الحديث عن عناصر أخرى‬          ‫متمكنًا‪ ،‬كأنه لم يتعب إلا قلي ًل؛ فلا‬

     ‫وعاب استخدام كلمة (جائد)‬                   ‫كالصور الخيالية مث ًل‪.‬‬        ‫شك أننا لن نرتاح لرؤية الأول‪،‬‬
   ‫بمعنى (جواد) في قول المتنبي‪:‬‬          ‫من أمارات التكلف سوء اختيار‬          ‫لأننا سوف نشعر بما يشعر به‬
    ‫فدى من على الغبراء أولهم أنا‬                                            ‫أو نكاد؛ ولا شك أننا نرتاح لرؤية‬
  ‫لهذا الأبي الماجد (الجائد) القر ِم‬       ‫اللفظ‪ ،‬وسوء تركيب العبارة‪.‬‬
    ‫لأن هذه الصيغة لم تسمع عن‬              ‫وعندي أن اللفظ يعد جي ًدا في‬                 ‫الثاني للسبب نفسه‪.‬‬
                                          ‫سياق ما إذا اجتمعت فيه عدة‬         ‫ولذا راق (اب َن الرومي) في المغنية‬
                 ‫العرب كما قال‪.‬‬            ‫شروط؛ من هذه الشروط‪ :‬أن‬
‫وعاب (الصاحب) استخدام المتنبي‬          ‫يكون اللفظ أكثر الألفاظ دلالة على‬                       ‫(وحيد) أنها‪:‬‬
 ‫كلمة (جبرين) بد ًل من (جبريل)‪،‬‬          ‫المعنى المراد‪ ،‬وأن تكون صيغته‬                  ‫تتغنى كأنها لا تغني‬
                                          ‫صحيحة‪ ،‬وأن يكون مسمو ًعا‬            ‫من سكون الأوصال وهي تجي ُد‬
   ‫ورآه تحري ًفا قبي ًحا (مع مطعن‬                                                   ‫لا تراها هناك تجحظ عي ٌن‬
  ‫آخر أخذه عليه في البيت نفسه)‪:‬‬              ‫مقرو ًءا (أي أنه ليس غريبًا‬               ‫لك منها ولا يد ُّر وريد‬
                                                            ‫مهجو ًرا)‪.‬‬             ‫من هد ٍّو وليس فيه انقطاع‬
      ‫لع ُظم َت حتى لو تكون أمان ًة‬                                                      ‫وسج ٍّو وما به تبلي ُد‬
     ‫ما كان مؤتمنا بها (جبري ُن)‬      ‫ومن أمثلة سوء اختيار اللفظ كلمة‬            ‫وساءه في مغنية أخرى أنها‪:‬‬
   ‫أما سوء تركيب العبارة فيكون‬              ‫( ُو ُشح) في بيت (أبي تمام)‪:‬‬       ‫تضغط الصو َت الذي تشدو به‬
    ‫إذا خرجت على قواعد اللغة أو‬              ‫من ال ِهيف لو أن الخلاخيل‬              ‫غص ٌة في حلقها معترض ْة‬
 ‫شذت عن أعرافها؛ ومن ذلك قول‬                                  ‫ُص ِّورت‬               ‫فإذا غنَّت بدت في جيدها‬
   ‫(الفرزدق)‪ ،‬وهو مما عابه عليه‬                                                    ‫كل عرق مثل بيت الأرض ْة‬
                                      ‫لها ( ُو ُشحا) جالت عليها الخلاخ ُل‬     ‫فكذلك نضيق بالشعر (المتكلف)‬
                  ‫أكثر من ناقد‪:‬‬            ‫إذ رأى بعض النقاد أنها غير‬            ‫ونستمتع بالشعر (المطبوع)‪.‬‬
      ‫فما مثله في الناس إلا مملكا‬                                            ‫يكون التكلف في الغالب نات ًجا عن‬
                                        ‫ملائمة من الناحية الدلالية‪ ،‬وأن‬         ‫قلة المقدرة وضعف الشاعرية‪،‬‬
         ‫أبو أمه حي أبوه يقاربه‬          ‫الكلمة الملائمة هي ( ُح ُقب)‪ ،‬وقد‬     ‫ولكن قد يتعمده الشاعر أحيا ًنا‬
       ‫وقول أبي تمام الذي ذكره‬        ‫أورد (الآمدي) هذا الرأي وشرحه‬               ‫لإظهار البراعة والقدرة على‬
      ‫(الجرجاني) في (الوساطة)‪:‬‬                                                    ‫الابتداع‪ ،‬وقد يتعمد التعقيد‬
  ‫المجد لا يرضى بأن ترضى بأن‬                       ‫وأيده في (الموازنة)‪.‬‬        ‫والإغماض للتلذذ بحيرة الناس‬
   ‫يرضى المؤمل منك إلا بالرضا‬              ‫ومن ذلك ما لاحظه (د‪.‬محمد‬           ‫إزاء شعره؛ وعند (المتنبي) كثير‬
                                        ‫غنيمي هلال) في بيتين لشوقي‪:‬‬            ‫من ذلك‪ ،‬ولا عجب‪ ،‬فهو القائل‪:‬‬
         ‫وقول المتنبي الذي ذكره‬                                                ‫أنام ملء جفوني عن شواردها‬
             ‫(الجرجاني) كذلك‪:‬‬                ‫أراد الخالق الرزق اشتراكا‬         ‫ويسهر الخلق جراها ويختص ُم‬
                                            ‫ولكن خص أقوا ًما و(حابى)‬        ‫وأكثر القراء لا يستحسنون الشعر‬
   ‫كيف ترثي التي ترى ك َّل جفن‬
      ‫راءها غير جفنها غير راقي‬                ‫ويجمعنا إذا اختلفت بلاد‬
                                              ‫بيان غير مختلف و(نط ُق)‬
   ‫ومن سوء التركيب ‪-‬في رأيي‪-‬‬              ‫ففي البيت لفظان رآهما الناقد‬
                                         ‫غير ملائمين دلاليًّا هما‪( :‬نطق)‬
                                         ‫و(حابى)‪ ،‬وأضي ُف إليهما كلمة‬
   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283