Page 277 - merit 48
P. 277

‫‪275‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأي‬

‫من معايير التقييم‬

   ‫الجمالي للشعر‪..‬‬
                                                            ‫د‪.‬علي يونس‬

‫الطبع والتكلف في‬

‫المفردات والتراكيب‬

                        ‫الحسن‪.‬‬         ‫وأشعر بيت‪ ،‬وأشعر شطر؛ وقالوا‬             ‫النقد التطبيقي بمه َّمات‬           ‫يقوم‬
‫ولعل (المتنبي) كان يقصد تفضيل‬             ‫أي ًضا‪ :‬أغزل بيت وأشجع بيت‪،‬‬                           ‫ثلاث‪:‬‬
 ‫الطبع على التكلف في الحياة بوجه‬
 ‫عام‪( ،‬وإن استخدم كلمة [التعمق]‬        ‫وأخنث بيت؛ ومعظمها أحكام تقيِّم‬           ‫شرح النص وتحليله‪-‬‬
                                                  ‫الشعر تقيي ًما جماليًّا‪.‬‬           ‫تفسيره وتعليله‪-‬‬
    ‫بد ًل من [التكلف]) عندما قال‪:‬‬                                                             ‫تقييمه‪.‬‬
          ‫أبلغ ما ُيط َل ُب النجاح به‬       ‫هل نستطيع أن نبني التقييم‬
         ‫الطبع وعند التعمق الزل ُل‬     ‫الجمالي للنص على أساس منهجي‬                ‫وأكثر الأعمال النقدية‬
                                        ‫علمي؟ لعلنا نحقق ذلك أو نقترب‬            ‫في عصرنا ت ْؤثر الوظيفة الأولى‪،‬‬
 ‫قد يفهم بعضنا أن الشعر المتكلف‬                                                ‫وقلَّما تعنى بالوظيفتين الأخريين؛‬
‫هو الذي عانى صاحبه جه ًدا شا ًّقا‬         ‫منه إذا تتبعنا الأحكام الجمالية‬      ‫فاشتغال النقد بالوظيفة الثانية هو‬
                                           ‫التي ذهب إليها من نعرف من‬           ‫اشتغال بما حول النص؛ بالظروف‬
    ‫كي يقوله‪ ،‬وأن الشعر المطبوع‬        ‫النقاد والقراء‪ ،‬لنرى السمات التي‬          ‫الاجتماعية والبيئية‪ ،‬وبشخصية‬
  ‫هو الذي ُيقال عفو الخاطر دون‬           ‫جعلتهم يستحسنون‪ ،‬والسمات‬
‫جهد‪ ،‬كما ُتف َرز الدموع‪ ،‬وكما ُيف َرز‬      ‫التي جعلتهم لا يستحسنون‪.‬‬                ‫الأديب وأحواله النفسية وغير‬
  ‫الرضاب؛ والصحيح في رأيي أن‬             ‫والتقييم الجمالي أو الفني للعمل‬       ‫ذلك‪ .‬أما تقييم النص بمعايير دينية‬
  ‫الشاعر ‪-‬مهما يكن تمكنه‪ -‬لا بد‬             ‫الأدبي يستحق منا كل عناية‬          ‫أو خلقية أو نفعية فقد رأوه ابتعا ًدا‬
‫أن يبذل جه ًدا كي ينشئ قصيدته‪،‬‬          ‫واهتمام‪َ ،‬فبِ ِه تتضح قيمة الأدب‪،‬‬
   ‫وما يميز الشاعر الذي يوصف‬            ‫وبه يتميز (القول) الذي ُيع ُّد أد ًبا‬       ‫عن طبيعة العمل الأدبي‪ ،‬وأما‬
    ‫بالمطبوع عن الشاعر الذي ُيع ُّد‬       ‫مما لا يعد أد ًبا‪ ،‬وبه يتميز جيد‬       ‫المعايير الجمالية فهي غالبا ذاتية‬
   ‫متكلِّفا أن الأول ينجح في إخفاء‬                                              ‫غير موضوعية‪ ،‬إذ تقوم على ذوق‬
  ‫ما عاناه من مشقة‪ ،‬فنظن أنه لم‬                   ‫النصوص من رديئها‪.‬‬
 ‫يبذل جه ًدا‪ ،‬بخلاف المتكلف الذي‬           ‫وعندي أن إحساس القارئ أو‬                ‫الناقد وإحساسه‪ ،‬كاستحسان‬
  ‫تبدو على شعره أمارات المعاناة‪.‬‬            ‫السامع بأن الشعر (متكلف)‬               ‫المرء للون ما واستقباحه للون‬
                                          ‫هو من أهم عوامل الحكم عليه‬            ‫آخر‪ ،‬ومن َث َّم رأوا أن هذا التقييم‬
     ‫وإحساس المستقبِل بما تكبده‬            ‫بالرداءة أو القبح‪ ،‬وإحساسه‬           ‫مفتقر إلى الموضوعية والعقلانية‪،‬‬
 ‫الشاعر من عناء يزعجه‪ ،‬والعكس‬           ‫بأن الشعر (مطبوع) هو من أهم‬
‫صحيح‪ ،‬لأنه يتماهى معه أو يكاد‪،‬‬            ‫عوامل الحكم عليه بالجودة أو‬                  ‫خال من المنهجية العلمية‪.‬‬
 ‫ويشعر بمشاعره نفسها أو يكاد‪.‬‬                                                     ‫والتراث العربي حافل بالأحكام‬
                                                                                   ‫الجمالية‪ ،‬ومن ذلك أنهم كثي ًرا‬
                                                                                  ‫ما كانوا يقولون‪ :‬أشعر العرب‪،‬‬
   272   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282