Page 95 - merit 48
P. 95

‫‪93‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                        ‫حدث بعد ذلك غير هام‪.‬‬          ‫النِّصف‪ ،‬في غرفة النَّوم التي فيها مرآة التَّسريحة‬
  ‫زوجته ‪-‬حماتي‪ -‬ح َّصلته بعد كام شهر‪ .‬الأولاد‬            ‫عند أقدام النَّائمين‪ ،‬ومرآة ال ُّدولاب الكبير على‬
                                                                                            ‫الجنب‪.‬‬
   ‫قالوا لبعض وهم يبيعون بيت العيله‪ :‬اللي عاوز‬
‫حاجة ياخدها عنده‪ ،‬يروح وياخدها طوالي‪ ،‬واتفقوا‬        ‫تح َّول ال َّسرير إلى مكان يفيض بهما حيث استلمت‬
‫على الأيام اللي كل واحد يروح فيها‪ .‬هما سته‪ :‬أربع‬     ‫هي النِّصف الآخر‪ ،‬الذي ليس عليه مرتبة‪ .‬حقيقية‬

    ‫بنات وولدان‪ .‬فإحنا خدنا السرير ده‪ ،‬أرجو ما‬         ‫لقد فشل‪ ،‬رغم ك ِّل محاولاته‪ ،‬فشل في ثنيها عن‬
           ‫تكونيش بتتشائمي لما قلت لك حكايته‪.‬‬       ‫رأيها وجعلها ترضى بقسمتها ولا تعاند ولا تتم َّرد‬
                                                    ‫على نصيبها مع رجلها‪ ،‬لكن يبدو أ َّن ذلك من طبيعة‬
 ‫تضربه بخفة على صدره‪ .‬واش عرفني إنها حكاية‬
             ‫بصحيح؟ مش يمكن من اختراعاتك؟‬               ‫أهلها الصعايدة (أي ًضا)‪ .‬ولمَّا كان هو يعرف أ َّنه‬
                                                        ‫رجلها الأول‪ ،‬الذي نامت عارية في حضنه‪ ،‬فلم‬
‫فيقول‪ ،‬معقولة عندي خيال خصب كده؟ دا أنا ياما‬
       ‫نمت على سراير مش بتاعتي ليلة أو ليالي‪..‬‬                       ‫يؤاخذها كثي ًرا‪ ،‬ولم يلحف أي ًضا‪.‬‬
                                                                  ‫ورضى هو أي ًضا بنصيبه وقسمته‪.‬‬
                ‫***‬                                   ‫هو لا يعطيها حنا ًنا سوى القليل‪ ،‬ويقول معتذ ًرا‪:‬‬
                                                    ‫نحن من أسرة لم تعرف الحنان‪ ،‬فلا يوجد في الفقر‬
‫ويقفز الآن وهي ليست معه تما ًما‪ ،‬لكنها معه أي ًضا‬       ‫حنان بل تآزر وتكاتف من أجل دفع المصاريف‬
 ‫تما ًما‪ ،‬يقفز إلى القرين الفرعوني والكا الفرعوني‪،‬‬   ‫الأساسيَّة‪ ،‬من إيجار للبيت وال ُّنور‪ ،‬كما الجمعيَّات‬
      ‫ويجيب سيرة الموت فتقول له‪ :‬والنبي بلاش‬            ‫التي تدخلها أ ُّمه لكي تدفع ال َّدواء المطلوب للأب‬
     ‫السيرة الوحشة دي‪ ،‬وعلى فكرة مش بتشائم‬              ‫العاجز ال َّراقد بدون فكاك‪ .‬إ َّنها أسرة لم تكشف‬
  ‫من السرير أو من أي حاجة ريحتك فيها وعرقك‬                  ‫حنانها‪ ،‬أي ضعفها كما يعتقد أفرادها حتَّى‬
    ‫وريقك‪ ،‬وعجبتني حكاية إنك تلحس ريقي‪ ،‬دي‬          ‫لبعضهم البعض؛ فك ُّل يوم هو مواجهة جديدة للفقر‬
 ‫تفسرها لي ازاي يا بتاع فرويد وبتاع الانحرافات‬       ‫حتى لا يغلبهم فيفقدوا أس َّرتهم الخشبية‪ ،‬بمراتبها‬
                                   ‫والمنحرفين؟‬          ‫غير المنجدة من سنوات‪ ،‬فنشفت وتصالبت على‬
    ‫فيقول لها‪ ،‬إذا كنت بلحس عصيرك من فرجك‬                    ‫حالها‪ ،‬بل وتعجن القطن داخلها و تحجر‪.‬‬
                  ‫فبالحر ِّي ألحس ريقك من بقك‪.‬‬         ‫لكنها هي المحرومة تما ًما من الحنان ‪-‬كما عرف‬
    ‫يصمتان ‪-‬ساعتها‪ -‬لحظات طويلة ‪-‬في الواقع‬            ‫بعد ذلك منها‪ -‬اعتبرت إن ما يقدمه لها من حنان‬
   ‫الذي أصبح بعي ًدا الآن‪ -‬ويشعر بأن جسديهما‬
  ‫يستيقظان من سبات طويل‪ ،‬وتقول له‪ ،‬على فكرة‬                             ‫ضنين هو حنان كبير وكريم‪.‬‬
‫إنت الوحيد بجد اللي بقعد معاه على حريتي خالص‬
   ‫مالص‪ ..‬وهذا تعبيره بعد أن ينضو عنها ثيابها‪:‬‬             ‫سرير المنامات والغفلات‬
  ‫وهل احنا يا أستاذ يا أبو العري منحرفين بجد؟‬
                                                             ‫يقول لها الآن وهو مستلق على سريره في‬
‫لا مش منحرفين خالص ده إحنا طبيعيين خالص‪..‬‬            ‫الصباحات الحالية‪ :‬ده سريري من حوالي عشرين‬
    ‫يعني احنا عادي؟ آه عادي بس مزاجنا صادق‬
                                                       ‫سنة‪ ..‬يمكن؟ يضع تساؤ ًل في آخر الجملة‪ .‬كان‬
 ‫ومش مدعي العفة الزائفة‪ .‬يعني بنعمل حاجتنا في‬        ‫سرير حماي ومات عليه‪ .‬هو قرر أن يموت بعد ما‬
                               ‫النور وبوضوح‪.‬‬        ‫زهق من العلاج بتاع الفشل الكلوي‪ ..‬المهم زوجتي‬

      ‫يتقلب على الغطاء الكهربائي في بداية الشتاء‬         ‫تلفنت لي من بيت العيلة حيث كانت تعوده مع‬
  ‫الأوروبي المظلم‪ ،‬حيث يعيش منذ سنوات طوال‪،‬‬           ‫بعض إخوتها وأمهم‪ ،‬وقالت لو عاوز تو َّدعه تعال‬
 ‫و يتذكر ما قاله أمس مراسل البي بي سي عن أن‬           ‫النهارده‪ ،‬وفع ًل رحت وودعته‪ .‬سألني أنت جاي‬
   ‫نسبة العواجيز اللي بيموتوا في الشتا في أوروبا‬
   ‫أكبر من أية نسبة في بقية الفصول‪ ،‬فقال لنفسه‬                                     ‫تودعني فقلت آه‪.‬‬
                                                     ‫يصمت‪ ،‬يسترجع ما رآه وما قاله‪ .‬ليقول لها‪ :‬وما‬
                       ‫وماله؟ تبقى أحلى موته‪..‬‬
   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100